«الحياة مشغولة بإدامة نفسها، وبتجاوز نفسها في آن»..
ويبدو أننا تماماً، كما مقولة سيمون دوبوفوار، نحيا هذه الحياة بقطبيها المتناقضين المتجاورين، لسنا سوى نسخ مصغّرة من ذاك النوع من «التناقض المتجاور»..
فكل ذات واعية تسعى إلى تجاوز ذاتها، وبنفس الوقت تبتغي الحفاظ على كينونتها الخاصة.
هل في الأمر طرف أحجية، يصعب الوصول لحلٍّ لها..؟!
بحسب الفيلسوف الأمريكي ريتشارد رورتي علينا «أن نعترف بأننا لن نكون أبداً على تماس مع شيء أعظم من ذواتنا»..
كما لو أن منبع هذه العظمة يتأتّى عبر تلك الحركة الدائمة والمتجددة من «التناقض المتجاور».. لطالما نسعى إلى الإمساك بكل ما نعتقد أنه أهدافنا، أحلامنا، رغباتنا ومساعينا في هذه الحياة.. ولا ننسى أن مبدأ الحياة الثابت هو التغيير الدائم.. بما فيها ذواتنا التي قد لا نلحظ تغيّرها بطرق مباشرة لحظ العين.
وهو ما يجعلنا بنوع من حركة متواصلة على مستوى الفكر والذهن ومحاولة استيلاد أفكار أكثر صلاحية لجودة حياتنا..
ثمة حركة بمستواها الصامت ظاهرياً، الصاخب فعلياً.. والتي لربما لا يوجد ما يوازيها ويعبّر عنها واقعياً..
فنحن أسرى ذاك النوع من الجدل الخفي بيننا وبين ذواتنا..
يتنازعنا قطبان من مساحات وعينا.. وربما تزايد العدد لنصبح ساحة نزاع، أو توافق بين عدد غير محدد من نسخ يتكرر حضورها لذات الشخصية، كما في فيلم (القضاء والقدر- حين نكتشف أن جميع شخصيات الفيلم ليست سوى تكرار لشخصية واحد لكن بأزمنة مختلفة.
في كتابه «العلم المرح» تحدث نيتشه عن فكرة مشابهة قائلاً: (ماذا لو خرق جني ليلاً أو نهاراً أكثر لحظات وحدتك توحداً، وقال لك: هذه الحياة التي تعيشها الآن والتي عشتها، عليك أن تعيشها ثانية ومرات لامتناهية، ولن يكون هناك أي شيء جديد فيها، فكل وجع وكل مسرة وكل فكرة وكل آهة وكل فعل مهما يكن صغيراً في حياتك يجب أن يتكرر معك، بالترتيب والتعاقب نفسيهما… الساعة الأبدية للوجود تنقلب رأساً على عقب مرة أخرى وأخرى، وأنت معها، بقعة غبار).
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الخميس 21 – 11-2019
رقم العدد : 17128