معادلتان تبرزان في المسألة السورية منذ بداية الحرب الإرهابية على هذه البلد حتى اليوم؛ الأولى: أن الأطراف الإقليمية التي كُلِّفت من قبل حلف العدوان على بلدنا بأن تُدمّر الدولة بالحرب من الداخل عبر الاحتياطي الرجعي، والعملاء الذين تمّ شراؤهم بالمال السياسي وهُم لم يتّفقوا على منهج واحد لتنفيذ الحرب، ولا لشكل إدارة حياة الناس الذين سيقعون تحت السيطرة وهنا حين ظهر البديل أمام الشعب الذي لم يترك دولته، ولا جيشه، ولا قيادته رفض الشعب مباشرة ما يطرأ عليه، وشرعت عيونه تُرشد الجيش وحلفاءه، ومسانديه عن أماكن هؤلاء الإرهابيين وكيفية الوصول إلى ضربهم وتدميرهم هذا من ناحية، ومن الناحية الثانية هي السيطرة ذاتها لمَنْ؟
هل هي للإخوان، أم للوهابيين؟ ومَن يملك إدارة التحكّم التي ستكسب الجغرافية، ومن ثم ستُخضع الديمغرافية إلى أسلوب الحياة المدنية الذي لا يتوافق مع المتناقضين ديناً، وعقيدة؟ وبناءً عليه ترتّب الفشل الأول بأن الطارئين الأغيار المتناقضين منهجاً، وأسلوب حياة، وعقيدة لم يقنعوا مواطناً ممن هم تحت السيطرة، وتعلّقت عيون الناس، وأحلامها بعودة دولتها الشرعية، وجيشها إليها من جديد لكون الحياة لا يمكن أن تطاق في ظل هؤلاء الغزاة الإرهابيين ولو كانوا يدّعون الإسلام، فلا هم ولا إسلامهم هذا يقنع المواطنين، وهنا خرجت المؤامرة من إطار التحكم الإقليمي لتصبح إرادة الشعب في داخل سورية هي الجاهزة لتولّي إدارة ذاتها ومساعدة دولتها على استعادة التحكم في الشأن الداخلي.
والمعادلة الثانية: هي أن الطرف الدولي الذي خطط للحرب الإرهابية على سورية تحت مسمّى الثورات والربيع لم يستفد من أدواته في الأطراف الإقليمية، فلا هو استطاع أن يوحّد المنهجين: الإخواني، والوهابي، ولا هو استطاع أن يمنع الانقسام بين هذه الأطراف، وهم يحاولون الاستحواذ على»الصّيدة» السورية باعتبارهم قد (تهاوشوا عليها فأفلتت من بين أيديهم كما قال حمد المشؤوم الذكر).
وحين دخلت المؤامرة حالة فشل كاملة في طرفيها: الإقليمي، والدولي، وبدأ زحف الجيش العربي السوري والحلفاء يتقدم ويستعيد المدن، والجغرافية، وانهارت صفوف الإرهابيين الأغراب والمحليين لم يعد أمام الطرف الغربي سوى الدخول العسكري المباشر إلى الأرض السورية حتى يحاول إدارة الحرب على بلدنا من الداخل، أي دَخَلَ الأصيلُ يتولّى إدارة مؤامرته بيده، وتراجع الوكيل الذي لم يحقق للأصيل أيَّ هدف غير أنه تكفّل بالتمويل المجبر عليه رغم أن التمويل قد اقتضى مئات المليارات من البترودولار.
وبناء عليه لم يستطع الأصيل أن يغيّر الوقائع على الأرض ويمكّن لنفسه إدارة التحكّم اللازمة له حتى تبقى الحرب الإرهابية على سورية على السكّة التي تمّ التخطيط لها، وبوشر التنفيذ على أساسها. ورغم ذلك كله لم تضع طبيعة الغطرسة الغربية بالزعامة الأميركية الأمور وفق ما رسمته حالة الميدان، وصارت تستكبر على سورية ومن معها من الحلفاء لكي لا تفرض وقائع الميدان صورة التحكم اللازمة في السير نحو الحل السياسي وظهرت معادلة عسكرية تريد أميركا من خلال وجود قواتها على الأرض السورية أن تفرضها، وهي أن الوجود العسكري الأمروأطلسي يمثل واقعاً من شأنه أن يبقي شكل المسير نحو الحل بما يتوافق مع مصالح الأمروأطلسيين التي هي الوجه الآخر للمصالح الصهيونية على الأرض السورية، وهذا يعني أن يتكامل الحصار الاقتصادي على سورية مع ضغوط القوات الأجنبية الموجودة على أرض سورية حتى تفرض أميركا بالسياسة التي هي سياسة القوة ما عجزت عن أن تأخذه في الحرب والميدان.
وللمزيد من خلق حالة التعقيد أعطت أميركا الإذن لأردوغان لكي يهاجم الأكراد الانفصاليين على الرغم من تحالفهم معهم فلا هي حمتهم، ولا منعت أردوغان من الهجوم عليهم، خاصة حين اتضح الآن أن التطهير العرقي في مناطق سيطرة جيش أردوغان قد بدأ بذريعة المنطقة الآمنة، ويومياً يتمّ الإعلان عن نقل مليون مهجّر سوري إلى هذه المنطقة.
ووفقاً لمقتضاه نجد أن أميركا وأطلسييها يواصلان خلق حالة مركّبة في شرق الفرات تسمح لهما بسرقة البترول السوري والغاز، وكل ما على أرضنا من خيرات، وتمنع الدولة الشرعية من تولّي إدارة التحكم في المنطقة المخصوصة من إدلب إلى الحسكة حتى لا تسقط مخططات التقسيم التي لا تزال في خرائطها.
وأميركا والأطلسيون يواصلون الوجود العسكري حتى لا يدخل الحل السياسي على حقل الممكن، وعليه فلا هما يريدان عبر أستانا، وسوتشي أي حل، ولا عبر لجنة مناقشة الدستور كذلك، فالمرسوم مسبقاً للحل على الأرض السورية هو كيفية تمكين إسرائيل من إدارة التحكّم في المنطقة لا سيما بعد أن بدأ التطبيع ما بين كيان العدوان وممالك الرمال والمشيخات برغم إعلان نتنياهو عن ضمّ الأغوار، ووادي عربة فالتهويد عند الممالك حالة صداقة معهم بينما الوقوف المشترك معهم ضمن منهج المقاومة للاحتلال حالةُ عداءٍ ضدهم، فنحن الآن، أمام مواصلة أمروأطلسية صهيونية لمنع حالة التقدم نحو الحل السياسي، ولمنع الدولة الشرعية من تحرير إدلب وبقية المناطق السورية التي ما زالت تحت السيطرة الإرهابية المدعومة من أميركا، أو سيطرة جيش أردوغان ومرتزقته، وأمام المزيد من خلق صيغ التعقيد في حل مشكلة شرق الفرات؛ وما تقوم به أميركا وأدواتها في نسف استقرار العراق، ولبنان أيضاً يدخل في مخطط عدم تمكين الدولة السورية من الدعم المنتظر دوماً من أصحاب القضية الواحدة ضد الإرهاب، فلا العلاقة بين سورية والعراق تقبلها أميركا، ولا كذلك العلاقة مع لبنان، وكلّما وضعت هذين البلدين تحت السيطرة استطاعت الإبقاء على الإرهاب إلى الزمن الذي تحقق فيه مشاريعَ الصهيونية في بلادنا.
ومن الواضح أن القضية الأهم هي إدارة التحكم في شكل تحولات الميدان والسياسة في بلادنا، ونلاحظ في الفترة الأخيرة تسابق الإعلام الأوروبي على إجراء المقابلات مع السيد الرئيس بشار الأسد حتى تنجلي الحقائق أمام المجتمع الأوروبي والمجتمع الدولي كذلك، وحين صارت هذه المقابلات تظهر نتائجها في أوروبا صدرت الأوامر للقناة الإيطالية بعدم بثّ اللقاء الذي أجرته مع السيد الرئيس بشار الأسد لما سيكون لها من تأثير كبير في عقل الإيطاليين الذين تعرضوا لتضليل وسائل الإعلام الغربية المتصهينة، ويجب أن يستمروا على هذا التضليل، وبالنهاية تنعقد جلسات أستانا، وتحاول أميركا وعملاؤها دائماً أن تبقي بيدها إدارة التحكم، ولكن هذا الحال عصيٌّ عليها فمنذ بدء الحرب الإرهابية علينا عام 2011 لا تزال إرادة التحكم للدولة الشرعية وشعبها وطنيةً بامتياز، وإدارة التحكم ذكيةً أيضاً، والذين توهّموا أنها بأيدي حلف العدوان علينا ما زالوا واهمين.
د. فايز عز الدين
التاريخ: الاثنين 16-12-2019
الرقم: 17147