في الوقت الذي يبدو فيه أن زملاءها الديمقراطيين غير مهتمين على الإطلاق بالضريبة البشرية والمالية، تشن البرلمانية تولسي جابارد، المرشحة منذ فترة طويلة للرئاسة الأميركية، هجوماً على حزبها لترويجه للسياسة «المدمرة للغاية» المتمثلة في «حروب تغيير الأنظمة»، وقد وصفت جابارد هيلاري كلينتون بأنها «ملكة دعاة الحرب، وأنها تجسيد للفساد والعفن الذي تسبب في تردي الحزب الديمقراطي».
تدرك جابارد أن جورج دبليو بوش ليس هو الشخص الوحيد المثير للحرب الذي دفع الأمة إلى ساحة الوغى، ما تسبب في أضرار جسيمة، ففي آخر مناظرة رئاسية ديمقراطية، أوضحت أن القضية «شخصية بالنسبة لها» لأنها كانت «تخدم في وحدة طبية حيث رأت التكاليف البشرية اليومية الباهظة للحرب»، في حين أن وجهة نظر محاربي البرج العاجي من اليمين واليسار، تجدهم على استعداد أكثر من أي وقت مضى لإرسال الآخرين لخوض حروبهم.
يقدر معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون تكاليف حروب ما بعد 11 أيلول كما يلي: تم إنفاق 6.4 تريليون دولار حتى عام 2020. وقد قتلت حروبنا 801000 شخص بشكل مباشر وأسفرت عن مقتل ضعف هذا العدد بشكل غير مباشر، كما قضى أكثر من 335000 مدنياً – وهذا تخمين متحفظ للغاية، وأجبر حوالي 21 مليون شخص على ترك منازلهم. ومع ذلك، وقد ازداد خطر الإرهاب، حيث تورّط الجيش الأميركي فيما يسمى مكافحة الإرهاب في 80 دولة.
من الواضح أن الصراعات ستستمر في الظهور ولو لم تتدخل الولايات المتحدة، ومع ذلك، فإن واشنطن هي التي بدأت أو انضمت إلى هذه الحروب غير الضرورية (على سبيل المثال، العراق وليبيا وسورية واليمن) ووسعت الحروب الضرورية إلى ما وراء أهدافها المشروعة كما في (أفغانستان). ونتيجة لذلك ، يتحمل صناع السياسة الأميركية المسؤولية عن الكثير من المجازر.
ويحمل المعهد وزارة الدفاع مسؤولة ما يقرب من نصف النفقات المقدرة، حيث يذهب حوالي 1.4 تريليون دولار لرعاية قدامى المحاربين. وتصل النفقات الأمنية لحوالي تريليون دولار. ويخصص 131 مليون دولار لوزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، اللتين تجاوزتا قيمة المشروعات التي لم تقدم سوى القليل.
لقي أكثر من 7000 من العسكريين الأميركيين حتفهم إضافة إلى حوالي 8000 من المتعاقدين معهم وكذلك قتل حوالي 1500 من قوات التحالف الغربية، ويشير معهد واتسون إلى أن ما يصل إلى 336000 مدنيا قد قتلوا، علما أنه يستخدم الأرقام المتحفظة للغاية عن عدد الجثث في العراق، ولكنه يعترف بأن مضاعفة التقدير قد ينتج عنه رقم أكثر دقة، حيث قدّر مسحان آخران عدد الوفيات في العراق بمفرده بحوالي 700،000 وأكثر من مليون، رغم أن هذه الأرقام قد تم الجدل حولها.
فقد مات أكثر من ألف من عمال الإغاثة والصحفيين . العراق هو أغلى الصراعات كلفة ، حيث يصل إلى 308،000 قتيل (أو 515،000 من مضاعفة عدد ). كلفت سورية 180 ألف شخص ، وأفغانستان 157000 ، واليمن 90،000 ، وباكستان 66000.
أصيب ما يقرب من 32000 من أفراد الجيش الأمريكي في حين يعاني حوالي 300000 من اضطرابات نفسية أو اكتئاب شديد ، وإصابات في الدماغ. هناك تكاليف بشرية أخرى – 4.5 مليون لاجئ عراقي وملايين آخرين في دول أخرى ، بالإضافة إلى تدمير نسيج المجتمع العراقي واضطهاد الأقليات فيه.
أوضح نيتا كراوفورد من جامعة بوسطن والمدير المشارك لمشروع تكلفة الحرب لبراون: «إن عبء الميزانية الإجمالي لحروب ما بعد 11 أيلول سوف يستمر في الارتفاع حيث أن الولايات المتحدة تدفع التكاليف المستمرة لرعاية المحاربين القدامى وغيرها من ثمن الحروب والتي لم ينهِ حتى وقفها تكاليفها».
لا تزال القنابل والألغام غير المنفجرة في أوروبا منذ الحرب العالمية الأولى والثانية. في أفغانستان ، تحول البلاد بأكملها إلى ساحة قتال مملوءه بالألغام الأرضية والقذائف والقنابل والأجهزة المتفجرة. بين عامي 2001 و 2018 ، قُتل 542 5 أفغانيا وجُرح 693 14 بسبب الذخائر غير المنفجرة. بعض هذه المتفجرات سبق التدخل الأمريكي ، لكن الولايات المتحدة ساهمت بإيجاد الكثير منها على مدار الأعوام الثمانية عشر الماضية.
علاوة على ذلك، فإن عدد الوفيات غير المباشرة في كثير من الأحيان يتجاوز الخسائر المرتبطة بالمعركة، أشار الصحفي والناشط ديفيد سوانسون إلى «تقدير حوالي 480،000 حالة وفاة مباشرة في أفغانستان والعراق وباكستان، ويجب على المرء أن يضيف مليون حالة وفاة على الأقل في تلك البلدان التي سببتها الحروب الأخيرة والمستمرة بشكل غير مباشر، وذلك لأن الحروب تسببت بأمراض وإصابات وسوء التغذية وتشرد وفقر ونقص في الدعم الاجتماعي ونقص في الرعاية الصحية والصدمات النفسية والاكتئاب والانتحار وأزمات اللاجئين والأوبئة المرضية وتسمم البيئة وانتشار العنف على نطاق واسع. «ولنأخذ بعين الاعتبار اليمن التي خربتها المجاعة والكوليرا حيث كان ضحايا عواقب القصف تفوق ضحايا القصف نفسه.
من السذاجة فقط أن يتخيلوا أن هذه الحروب ستختفي في غياب تغيير دراماتيكي في القيادة الوطنية.
ومع ذلك، فإن كل توسع في الصراع يجعل الولايات المتحدة أكثر عرضة للخطر وليس أقل، على عكس الادعاء الذي لا معنى له بأنه إذا لم نحتل أفغانستان إلى الأبد فإن القاعدة وداعش ستحولان بلادنا إلى مسالخ إرهابية، فالتدخل في المزيد من النزاعات وقتل المزيد من الأجانب يخلق إرهابيين إضافيين في الداخل والخارج.
ويبدو أن حلفاء أميركا، وعلى الأخص السعوديون والإماراتيون لا يبذلون أدنى جهد لمحاولة تجنب قتل غير المقاتلين أو تدمير البنى التحتية المدنية.
والآن .. ماذا حققت واشنطن بعد سنوات من القتال؟ حتى عواصم الدول التابعة لها غير آمنة، وزارة الخارجية تحذر المسافرين إلى العراق من أن الاختطاف يشكل خطراً ويحث رجال الأعمال على استئجار أمن خاص، في كابول، يسافر مسؤولو السفارة الآن إلى المطار عبر طائرة هليكوبتر بدلاً من السيارة.
تتحدث تولسي جابارد عما يهم حقا. فقد بذل حزب الحرب من الحزبين قصارى جهده لتدمير أميركا والكثير من الدول الأخرى أيضاً، تتحدى جابارد بشجاعة الديمقراطيين في هذا التحالف، الذين أصبحوا متواطئين في حروب واشنطن الإجرامية.
الأميريكان كونزيرفاتيف
أمل سليمان معروف
التاريخ: الجمعة 3- 1 -2020
رقم العدد : 17161