ثورة أون لاين: ليست التربية إلا وجهاً من وجوه الثقافة، والثقافة بدورها مكوّن من مكونات التربية ولهذا فإن العلاقة بينهما تفاعلية لايمكن فصلها، من هنا يأتي في كتاب الدكتور عيسى الشماس الصادر عن اتحاد الكتاب العرب تحت عنوان «الثقافة والتربية في مواجهة العولمة».
نقف في هذا الكتاب عند الفصل المعنون: الثقافة والتربية إذ يرى المؤلف أن التربية الاجتماعية تعد من أخطر العمليات التي يمارسها المجتمع بمؤسساته المختلفة في تأهيل أعضائه وإعدادهم للحياة الفاعلة، حيث يكون الفرد واعياً دوره الاجتماعي ومستجيباً للمؤثرات الاجتماعية بما تشتمل عليه من ضغوط أو بما تفرضه من واجبات.
ففي مراحل نموه المتعاقبة يتزود الإنسان/ الفرد بثقافة من حوله شيئاً فشيئاً من خلال الوسائل التثقيفية التي يستخدمها الكبار أمامه ومعه، من أجل تنشئته التنشئة الاجتماعية المطلوبة، ويطلق على هذه العملية مصطلح التثقيف حيث يكون للمؤثرات الثقافية دور كبير في تنمية شخصية الفرد وبلورة اتجاهاته ومواقفه أو مايسمى (أسلوب الحياة) وفق المعايير الاجتماعية.
وإذا كانت الثقافة في إطارها العام هي المظهر الذي يميز فئة من الناس من فئة أخرى، فإنها النمط الحياتي الذي تسير عليه مجموعة من بني البشر ويعبر عنها برموز وكلمات وأفعال وسلوكات مقبولة ولذلك فهي تساعد الفرد في إشباع حاجاته إلى المعرفة والإطلاع وتوفر له صور التفكير والسلوك والمشاعر التي ينبغي أن يكون عليها فيتفاعل مع هذه الثقافة ويجد فيها تفسيرات معقولة وإجابات جاهزة عن تساؤلاته عن طبيعة الكون والحياة أي فلسفته في الحياة.
وفي هذا الصدد أعطى ينللر للثقافة دوراً أكثر شمولية وأشد تأثيراًفي عملية التنشئة الاجتماعية بقوله: إن الثقافة تشكلنا عقلياً وجسمياً وانفعالياً، فهي تكيف حتى سماتنا الجسمية، كالايماءات وتعبيرات الوجه وطرائق المشي والجلوس والأكل والنوم.
فالطفل يتقمص خلال تربيته الاجتماعية أدوار الكبار في سلوكاتهم الاجتماعية وتعد عملية التقمص من أهم العمليات التي تعتمدها التنشئة الاجتماعية في إكساب الطفل /الفرد قيمه الاجتماعية.
فالعملية الأساسية في التربية/التنشئة الاجتماعية هي الاستدخال والتشخيص (على حد نظرية جان بياجه) حيث يصبح سلوك الفردالعلني الخارجي مثلاً:بنموذج معرفي داخلي أو بخطة معرفية داخلية تستند إلى عناصر ثقافية معينة أو بشكل أوسع امتلاك الفرد المقدرة على ترجمة التعلم إلى المقدرة على التحكم بالسلوك الذاتي وهي العملية التي يكون انتظامهاالمؤشر الحقيقي على انتظام عملية التنشئة الاجتماعية.
وهكذا يصوغ الفرد فلسفته في الحياة في إطار المكونات الاجتماعية أو القطاع الاجتماعي للثقافة وهو مايطلق عليه اصطلاحاً البناء الاجتماعي، ويمكن القول باختصار إن هذا البناء الاجتماعي هو هيكل المجموعة الاجتماعية من الناس المستمرة في الوجود لفترة كافية من الزمن، وتنشأ بين أفرادها علاقات و تفاعلات تنجم عنها مجموعة من النظم الاجتماعية ، الثقافية تحدد لكل عضو فيها دوراً يقوم به ومركزاً يشغله.
وتأسيساً على ماتقدم يستنتج المؤلف أن الثقافة تتسم بالمعيارية وأن وظيفتها في التنشئة الاجتماعية هي مساعدة الناشىء ، الفرد في الاستجابة لمعايير السوك الاجتماعية المختلفة ومن ثم استدخالها عقلياً ونفسياً وبالتالي تمثلها قولاً وفعلاً .. فليتزم بها وتكون موجهاً وضابطاً لأسلوب حياته في المجتمع ، في التكيف والفعل والتفاعل .
الثقافة وتشكيل الشخصية:
ثم ينتقل الشماس للحديث عن الثقافة وتشكيل الشخصية فيرى أن شخصية الفرد تنمو وتتطور من جوانبها المختلفة داخل الإطار الثقافي الذي تنشأ فيه وتعيش وتتفاعل معه حتى تتكامل وتكتسب الأنماط الفكرية والسلوكية التي تسهل تكيف الفرد وعلاقاته بمحيطه الاجتماعي العام.
وإذا كانت الثقافة تشكل إرثاً اجتماعياً فإنها إذن قابلة للانتقال من جيل إلى جيل بوساطة عملية التثقيف أو التنشئة الثقافية ، الاجتماعية ، أي العملية التربوية التي تعني في بعض جوانبها نقل ثقافة الراشدين إلى الذين لم يرشدوا بعد ) كما يمكن أن يتم هذا الانتقال والانتشار إلى جماعات إنسانية أخرى من خلال وسائل الاتصال المختلفة .
فالثقافة تقوم بدور فاعل في حياة الفرد والمجتمع من جوانبها المختلفة ولاسيما في الجانب التربوي حيث تستند التربية في بعض أسسهاإلى المكونات الثقافية في المجتمع فتوسع دائرة معارف الإنسان وتكسبه معلومات جديدة ومتنوعة وتزوده بخبرات مختلفة تسهم في تشكيل شخصيته وتفيده في حياته الخاصة والعامة وهذا مايظهر في علاقة الثقافة بالشخصية من جهة وبالعملية التربوية من جهة أخرى.
لذلك يرى الكثير من علماء الاجتماع والانثروبولوجيا أن دراسة العلاقة بين الثقافة والشخصية تمثل نقطة الالتقاء بين علم النفس وعلم الإنسان(الانثروبولوجيا) وذلك لأننا لانستطيع أن نفهم أي شخص فهماً جيداً من غير أن نأخذ بالحسبان الوضع الثقافي ومقومات الثقافة التي شكلت سمات هذا الشخص، فشخصية الفرد مقترنة بثقافته لأن الثقافة تحدد طبيعة الشخص فكلما اتسعت هذه الثقافة شكلت رافداً من روافد قوة الشخصية وفي المقابل ضاقت دائرة ثقافة الفرد عملت على بناء شخصية ضعيفة فكرياً واجتماعياً.
وكما تتأثر الشخصية الإنسانية بالثقافة يتأثر سلوك الأفراد أيضاً بالسلوك الاجتماعي بوساطة الخبرة الثقافية المحكمة عن بعض الحلول الجديدة، يقوم الأفراد في المجتمعات المختلفة بتجريب هذه الحلول للوصول إلى مايناسبهم.
ثورة أون لاين: يمن سليمان عباس