لم تنبس ببنت شفة، حين لفَّ أخاها عنقها بسكين التقاليد، ليرتكب جريمة شرف، لم تنبس ببنت شفة حين قيل إنها فتاة رخيصة، بلا شرف وبلا أخلاق! ما الذي دفعها لأن تصمت أمام مجتمعها، الذي يلوك سيرتها، هي قصة ربا «النجمة سلافة معمار» هاربة من زوجها سامر، النجم «عبد المنعم عمايري» لتلتجئ إلى صلاح «قصي الخولي» الرجل الشهم وليس الذكر، لتقول له في نهاية مسلسل «أرواح عارية» قصة سيناريو وحوار «فادي قوشقجي»، بعد صراعات عاطفية معه «أنت رجلي»، بعيداً عن أنظار المجتمع الذي جرمها كخائنة، فالزوج الذي هربت منه ربما لم يكن رجلاً بقدر ما هو غرائزي .. يعيش حالة الشك حتى مع نفسه..!
عرضٌ له خصوصية العلاقات وقصص الخيانة المشروعة للرجل، الممنوعة عن المرأة، باضطرابات عاطفية نفسية واجتماعية، وتلبّك ذهني لمعظم بطلات المسلسل، في الاختيار بين العاطفة والعقل، لتكتشف أن عدوة المرأة هي المرأة!
هو بحق سيناريو شيق، يشد المتابع، يثير فضوله، لكننا نتساءل كمتابعين له، هل أوصل القائمون على العمل الدرامي الدلالة على ذكورية المجتمع؟ للتخفيف من ظلمه للمرأة على نحو عام، والتحكم بها، وعدم تغليفها كقطعة حلوى مغرية، بشتى مراحل عمرها؟ لتكون خريطة جسدها ورغبتها وحاجتها للرجل هي المحور الحساس لتصنع منه قضية مجتمعية!.
فالمرأة هي العروة الوثقى في أي مجتمع، وهي في هذه القصص تغري الرجل، تقوده تارة إلى القمة وتارة أخرى إلى الهاوية، فكانت المراهقة التي تكشف جسدها عبر شبكة التواصل الاجتماعي لحبيبها زميل الدراسة، والفتاة التي تبحث عن حب حياتها مع نجم علاقاته مشبوهة في الوسط الفني، وأم تعيش في مصح عقلي بسبب خيانة الزوج لها وإهماله كأب لطفلها التي فقدته في سن مبكرة، لم يبق منه إلا صندوق من صور معلقة على جدران ذاكرتها المتأزمة! لم يكشف الكاتب أحداث القصة وما بداخل الصندوق إلا في الحلقة الأخيرة.
منتقياً المخرج المبدع «الليث حجو» خيرة نجوم الدراما السورية الذين شكلوا الحجر الأساس في إنجاح المسلسل، رغم الحضور الخجول لبعض النجوم إلا أنهم أضافوا الكثير، منهم النجمة «نادين» التي لعبت دور أم زياد، يسمح زياد لنفسه ما لا يسمحه لأخته، فيودي بها ضرباً وتعنيفاً واستبداداً كرجل شرقي وشرقي جداً!
أما قصة ربا التي فضح أمرها بقصص مشبوهة ملفقة من الجيران، جعل منها قضية وفضيحة لا تمحى إلا بإراقة دمها، لكن نتفاجأ في نهاية المسلسل أنها لم تقتل! وكأن الكاتب يريد لفت انتباه المتلقي إلى المادة 548(عقوبات) التي تنص «يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر..!!!» وهو ما يفتح باب التساؤل هل يأتي اليوم وتعدّل تلك المادة؟ فالخيانة الزوجية لم تعد ضمن العلاقات الجسدية بل تفشت إلى وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج الواتساب وغيرها من تقنيات العصر الحديث؟.
لا ننكر وجود تلك القصص المحاكاة في مجتمعنا الشرقي وظهورها في مسلسلاتنا بهذه الجرأة أسوة بالمسلسلات التركية والأجنبية هو الشيء الملفت، لكن طرح المشكلة دون معالجتها يفقد المسلسل بريقه، ويبقي في ذهن المتلقي سؤالاً إجابته بعيدة مفتوحة وغامضة، يختارها كل بحسب تفكيره ونظرته للمرأة ككل، وإن كانت المشكلة رغبتها الجنسية..!.
لاقى المسلسل رواجا اعلامياً وضجة اجتماعية بين مسوق لتلك الأفكار ومعارض لها، لكننا بعد فترة وجيزة من الزمن سنحتاج مرغمين إلى سيناريوهات تكشف خبايا المجتمع لكونها تقدم لنا معالجة درامية وطروحات وأحكاما توصل المتلقي إلى جادة الصواب لا أن تتركه غارقاً في بحر أوهامه..
وإن اختيار كلمات شارة المسلسل للروائي الجزائري واسيني الأعرج، موسيقا طاهر مامللي، بصوت ليندا بيطار المؤثر جعلنا نتعاطف وبشدّة مع بطلة المسلسل ربا فهي التي تحدثت بصوت كل أنثى مكبوتة روحاً وجسداً /اطلقني انا لستُ لكَ ولستَ لي/ اطلقني ضاق هيكلي على روحي/ اطلقني وحرّر روحي فربما بقيتَ في عالم حيث يدنيك الغياب/ كم كنتُ لك كم وكم كنتَ انتَ لكَ/ وبكل ما أوتيت من خيانة/ تخليتَ عني/ اطلقني/ لكَ الأرض كل الأرض عِشْ ما استطعت واترك لي السماء.
رنا بدري سلوم
التاريخ: الثلاثاء 7-1-2020
الرقم: 17162