عكست جوائز المعرض السنوي في سنواته الثمان الأولى ذلك التمايز في الحضور بين مناصري تياري الواقعية والانطباعية من جهة، وبين تيار الحداثة من جهة ثانية. ففي مجال الرسم (التصوير) مُنحت خمسٌ من جوائز المعرض الأول الست إلى أعمالٍ واقعية وانطباعية (محمود حماد، رشاد قصيباتي، الفرد بخاش، نصير شورى، ميشيل كرشه)، ومنحت الجائزة السادسة للوحة تعبيرية (صبحي شعيب). ومنحت الجوائز الست في المعرض الثاني لأعمال واقعية وانطباعية (ناظم الجعفري، محمود جلال، نصير شورى، رشاد قصيباتي، فاتح المدرس، الفرد بخاش). وفي معرض 1952 مُنحت الجائزة الأولى للوحة (كفر جنة) التي أنجزها (فاتح المدرس) واعتبرها عدد من مؤرخي الفن بداية الحداثة في الفن التشكيلي السوري، في حين ذهبت الجائزتان الثانية والثالثة لعملين واقعيين بتأثيرات انطباعية (نصير شورى وناظم الجعفري). أما في المعرض الثالث عام 1953 فقد عادت الأعمال الواقعية والانطباعية لتنال جوائز المعرض الثلاث (نصير شورى، محمود حماد، نوبار صباغيان)، وتكرر الأمر ذاته في معرض 1954 فنالت الجوائز أعمال (نصير شورى، اليانورة شطي، فريد كردوس)، كما تكرر في معرض 1955 حيث مُنحت الجوائز لثلاثة أعمال واقعية وانطباعية، وإن كانت كل منها تملك شيئاً من التجديد (هشام زمريق، نصير شورى، الياس زيات). وفي حين أن معرض 1956 قدم جائزتيه الأولى والثانية لعملين من خارج الإطار الواقعي – الانطباعي (برهان كركوتلي، نعيم إسماعيل)، ومنح الثالثة لعمل واقعي (زهير صبان)، فإن معرض عام 1957، وكان آخر معرض تعتمد فيه سياسة الجوائز، قد منح جوائزه الثلاثة لأعمال واقعية بالمطلق (عبد العزيز نشواتي، زهير صبان، إبراهيم هزيمة).
مع زيادة عدد الأعمال الفنية التي تم اقتناؤها من قبل مديرية الآثار العامة، تأسس عام 1953 فرع الفن الحديث في المتحف الوطني، وقد أقيم في الطابق الأول من الجناح الشرقي الذي تم الانتهاء من تشييده ذلك العام. في حين خصص الطابق الثاني للمعارض المؤقتة، الأثرية والفنية. ويحتفظ المتحف اليوم بمجموعة بالغة الأهمية من أعمال التشكيليين السوريين، وخاصة الأجيال الأولى منهم. وحين تأسست وزارة الثقافة بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة التي ضمت مصر وسورية عام 1958 انتقلت مسؤولية تنظيم المعرض إلى مديرية الفنون الجميلة التي أنشئت فيها. وقد قامت المديرية عام 1959 بقسم المعرض إلى اثنين: (معرض الربيع) في حلب، و(معرض الخريف) في دمشق وألغت مبدأ الجوائز واستبدلته بسياسة الاقتناء فقامت وزارة الثقافة باقتناء 21 عملاً بين لوحة ومنحوتة. وقامت وزارة التربية باقتناء 19 عملاً، ومديرية الآثار والمتاحف 15عملاً، ومديرية حصر التبغ والتنباك 4 لوحات، واقتنيت 4 لوحات أيضاً من جهات مختلفة.
يلفت النظر أن إلغاء مبدأ الجوائز في المعرض السنوي جاء بعد عام واحد من تأسيس (رابطة الفنانين السورية للرسم والنحت)، والتي طالبت بهذا الإلغاء، وهو ما يسمح بالاعتقاد أن الفنانين، أو على الأقل المنتسبين إلى الرابطة، لم يكونوا موافقين على مبدأ الجوائز، وخاصة في ظل الجدل القائم آنذاك بين مناصري التيارات التقليدية، ومناصري التيارات الحديثة. وأيضاً بسبب الحساسيات التي كانت تخلقها الجوائز بين الفنانين، وأكثرها علانية ما حصل حين منحت لجنة تحكيم معرض 1926 جائزتها لميشيل كرشه مقدمة إياه على توفيق طارق وكان الأخير منحازاً بشدة إلى الأسلوب الواقعي الطبيعي ولماحاً وعصبي المزاج وشديد الاعتداد بنفسه، فكان رد فعله حاداً للغاية. وعلى ما وصلنا فإن ميشيل كرشه المعروف بلطفه ومسالمته تجاهل هذا الاستفزاز، بخلاف كثير من طلابه ومحبيه الذين ساءهم هذا التصرف واتخذوا موقفاً من توفيق طارق امتد لسنوات طويلة بعد رحيل الفنانين الرائدين.
سعد القاسم
التاريخ: الثلاثاء 7-1-2020
الرقم: 17162