انتصر صدقي المقت على الكيان الصهيوني بعد مسيرة طويلة من الكفاح والنضال داخل سجون الاحتلال خاض خلالها البطل المقت معارك بطولية مع العدو الإسرائيلي الذي حاول مراراً وتكراراً إخضاعه ومساومته على ترك قريته مجدل شمس، لكن عبقرية المقاومة كانت تتجلى في هذا البطل الذي أبدع في تحويل السجن إلى مكان تَقهر فيه إرادة الحق وروح الانتماء طغيان الشر والإجرام.
صدقي المقت حراً، لكن ليس كباقي السجناء الذين يهيمون على وجوههم وقد شرعوا صدروهم لاحتضان الحرية، فالموقف هنا مختلف تماماً مع مقاوم كبير وهو الذي أدار ظهره لحرية يقيدها الذل والرضوخ والاستسلام لشروط الاحتلال، فالمقت لم يشرع ذراعيه مطلقاً لحرية مشروطة ببيع الوطن والتخلي عن الهوية والانتماء.
الموقف هنا مختلف تماماً مع البطل المقت، فالحرية هي التي كانت تنتظره بشوق الأبطال الأحرار وقد شرعت ذراعيها لاحتضانه بشدة بعد أن أعطاها معاني جديدة لم تشاهدها إلا في قلة قليلة من المقاومين الأبطال.
راهن الكيان الصهيوني كثيراً على استسلام المقت وقبوله بشروطه، لكن اليأس أصابه وانهزم أمام إرادته الكبيرة في الدفاع عن هويته ووطنه قبل نحو ثمانية أعوام عندما أطلق سراحه بشكل مفاجئ في العام 2012 بعد سجنه لمدة 27 عاماً ودون أن يخبر أحداً حتى لا يتحول استقباله إلى مظاهرات منددة بسياسات الاحتلال الإسرائيلي.
وبعد خروجه من السجن عاد المقت إلى نشاطه النضالي حيث سارع إلى فضح ممارسات الكيان الصهيوني، ولاسيما تلك التي تتعلق بدعم المجموعات الإرهابية في وطنه الأم سورية ودور الكيان الاسرائيلي في ذلك، وهذا الأمر دفع العدو الصهيوني إلى إعادة اعتقاله مرة أخرى في العام 2015 في محاولة جديدة لكبح جماح مقاومته ونضاله وتشبثه بهويته ووطنه، لكن المقت الذي تحول إلى أيقونة في النضال والمقاومة هو الذي هزم الاحتلال وكبح جنون إرهابه وغروره وقام بتحطيم أسوار سجنه بإرادته وإيمانه الكبير بالنصر على الاحتلال مهما طال الزمن.
32 عاماً قضاها الأسير المناضل صدقي سليمان المقت في سجون الاحتلال اختصرها المقت بكلمات قليلة عندما قال بعيد خروجه بلحظات من السجن: ( إنها لحظة حرية انتصرت فيها الإرادة السورية وإرادة كل الشرفاء على العدو الذي أراده إفراجاً بشروط، لكننا تمكّنا من تحطيم إرادته في مقابل تحقيق إرادتنا ونيل الحرية في مسقط رأسنا الجولان).
صدقي المقت كان من أوائل «الجولانيين» الذين قاوموا قوات الاحتلال الصهيوني في الجولان العربي السوري المحتل، حيث كبد مع رفاقه آنذاك العدو الإسرائيلي خسائر كبيرة.
وكان الأسير المناضل المقت قد جدد في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني الماضي خلال رسالة بعثها من داخل معتقل النقب جنوب فلسطين المحتلة لأسرته في الجولان العربي السوري المحتل تمسكه بنهج المقاومة والنضال لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ورفضه إطلاق سراحه المشروط بإبعاده عن الجولان العربي السوري المحتل، مؤكداً رفضه إطلاق سراحه المشروط من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي والقاضي بالإفراج عنه مقابل إبعاده عن الجولان السوري المحتل ومسقط رأسه بلدة مجدل شمس، مشدداً على انتمائه لوطنه سورية وتمسكه بالهوية العربية السورية وحقه بالحياة في منزله ببلدته، ولفت المقت إلى أن شرط سلطات الاحتلال إطلاق سراحه مقابل إبعاده عن الجولان السوري المحتل يصب في سياساتها العدوانية والقمعية القاضية بإبعاد القامات الوطنية من أبناء الجولان السوري المحتل عن أرضهم كما فعلت مع عدد من القادة الفلسطينيين، مشدداً على حقه المشروع الذي ضمنته القوانين والمواثيق الدولية في العيش بوطنه وأرضه وبلدته.
وكانت سلطات الاحتلال كما أسلفنا قد أفرجت في آب من عام 2012 عن الأسير صدقي المقت بعد 27 عاماً قضاها في معتقلات الاحتلال وأعادت اعتقاله في الـ 25 من شباط من عام 2015 بعد اقتحام منزل عائلته في بلدة مجدل شمس بالجولان السوري المحتل كما أصدرت في الـ 16 من أيار عام 2017 قراراً بسجنه 14 عاماً بعد تأجيل محاكمته عشرات المرات.
فؤاد الوادي
التاريخ: الأحد 12-1-2020
الرقم: 17166