نعم كلما تقدم الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الميدان تتصاعد وتائر الضغط الأمروصهيوأطلسي على سورية حتى لا يتم إنجاز النصر النهائي على الإرهاب، ويصبح الوجود الأجنبي غير الشرعي الذي يدّعي التحالف في الحرب على الإرهاب الداعشي والنصروي أمام حقائق الواقع التي تُفقده ذرائع البقاء، وتُلزمه بأن يستعدّ للرحيل من أرض دخلها من خارج التوافق مع الدولة الشرعية في سورية، وكذلك من خارج قرارات مجلس الأمن، ونصوص القانون الدولي الذي ينظّم العلاقات بين الأمم المختلفة بما يراعي حقوق السيادة، وقيم الاستقلال، ومن الملاحظ منذ العام 2011 وأكذوبة الثورات والربيع بأن سورية كانت المحور الأساس في المؤامرة الكونية على العرب، ولماذا سورية لكونها لاتزال تقف ضد المشروع الغربي المتصهين الذي ما زال منذ حرب تشرين التحريرية 1973م يستغل كل حقبة في الحالة العربية حتى يُرسّخ سياسات التبعية الكاملة لأميركا والصهيونية في النظام العربي، ويحوّل كيان العدوان إلى كيان صديق ويخلق بدلاً عنه عدواً مزعوماً ينصرف الجهد العربي المشترك للكفاح ضدّه، إذ ذاك ينتصر المشروع الصهيوني الاستيطاني والإحلالي والتهويدي، وينهزم المشروع العربي القومي العروبي التوحيدي، وبناءً عليه سنجد أن المشروع الصهيوأميركي غاياته الكبرى أن تتواصل عمليات تحويل العرب إلى أمة تحت السيطرة، وما يلحق ذلك من نهب الثروات، وتنميط الإنسان، وتقسيم الجغرافية، وتفكيك المجتمعات، ومما يثير الغضب من النظام الرسمي العربي أنه قد تحوّل -في إطار مؤسسات العمل العربي المشترك- من نظام غالبية دوله مؤمنةٌ بحق العرب في التحرر من الاستعمار وفلسطين أولاً إلى نظام يتعامل كثير من دوله مع الاستعمار ولا سيما الأمروصهيوني دون الأخذ بعين الاعتبار المصالح القومية العليا للعرب، ولا حقّ تقرير المصير لكل شعب وكل الذي يحلم فيه حكّام تلك الدول هو حماية عروشهم، وقبول تابعيتهم، ومواصلة حكمهم وتحكّمهم بشعبهم.
ومن اللافت في سياسة النظام العربي الراهن أن الحليف الإقليمي، أو الدولي الذي يكافح معهم لتحرير ما اغتُصب من أراضيهم غير مرغوب فيه، والعدو الغاصب ومن يسانده هو الموجود على أشكال التحالف وصوره، فأميركا التي تمكّن إسرائيل من إدامة احتلالها للأرض ومن تهديد الوجود العربي، والمصير المشترك هي الحليف للعربان، ودولة كالاتحاد الروسي الذي يساند القضايا العربية العادلة غير مرغوب التحالف معها بالأوامر الأميركية بطبيعة الحال، ودولة كإيران طالما تطرح المساهمة في تحرير القدس كواجب ديني تصرّ على أدائه، غير مقبولة ولا تُشكر على جهودها بل تزوّر مبادئها النبيلة لتظهر بمظهر صاحب الأطماع بالتمدّد الإقليمي، والعدو البديل للعرب وكأنّ كيان العدوان لم يقم بأي عدوان على أرض العرب وحقوقهم التاريخية المشروعة، والذي نعيشه اليوم هو بوابة جديدة لتاريخ حافل بالنصر خاصة حين تكون ظروف معركة إدلب ضد الإرهابيين مؤاتية، والمبادرة بيد الدولة الوطنية الشرعية القائمة في بلدنا، وسورية الدولة رغم كل ما رُصد ضدها في الحرب الإرهابية الكونية أثبتت أنها قلعة محصّنة من الداخل، ولن تُسقطها التحديات من الخارج، وحين اختارت حلفاءها في الإقليم، أو على المستوى الدولي اختارتهم على أساس الموقف المشترك من قضايا التحرر العالمي من الظاهرة الاستعمارية ونواتجها الإمبريالية، والعولمية التي تتّخذ من الفوضى أهدافاً لها في تحطيم النظم المختلفة للأمم المختلفة لكي يُعاد تشكيل النظام الدولي على مقاس المصالح الليبرالية الجديدة بثوبها المتوحش الذي لا يرى للإنسانية أي ضرورة في التعامل الأممي، ولا للأخلاق الأممية كذلك. ومن الملاحظ أن ممالك الرمال ومشيخاتها، ومن يسير بركبها من النظام العربي لا تعيش علاقات احترام متبادل بين من تتعامل معهم وتدّعي أنهم حلفاؤها على سبيل المثال يواصل ترامب تصريحاته التي لا تحترمهم، وكم أعلن أنه لن يحميهم إلا إذا دفعوا له ثمن الحماية، وقد أعلن دون أدنى احترام أن أميركا إذا رفعت حمايتها لهم فلا يستمرّون في حكم بلادهم لأسبوع واحد، وحين قَدِمَ إلى بلادهم أعطوه من أموال البترودولار ما زاد على خمسمئة مليار دولار لتتواصل حمايته لهم، وما زال ترامب يبتزّهم في كل حين دون أن يتذكّر أي قاعدة من قواعد الاحترام المتبادل في العلاقات الثنائية بين الأمم.
ورغم قلة احترام الغرب المتصهين للحكام العرب نرى إلى حالة الاستخذاء الأعرابي أمام الغرب ما يثير الاشمئزاز في النفس العربية الأصيلة، ومنذ فترة رأينا كيف زار الرئيس الأميركي ترامب قواته المحتلة على أرض العراق ولم يتم إعلام حكومة العراق بدخوله أراضيهم وكأن العراق لا سيادة له بينما نراه على المقلب الآخر يتبجّح بأنه حليف للعراق وحكومته، وهنا شكل التحالف الدولي لكي يخلّص العراق من الإرهاب، وهنا ما معنى التحالف إذا لم يقم على علاقات الاحترام المتبادل؟! ومؤخراً شهدت المنطقة الحدث الزلزال الذي قامت فيه أميركا باغتيال القائدين المقاومين قاسم سليماني، وابو مهدي المهندس دون أن تُعلم حكومة العراق ودون أن تحترم الاتفاق الأمني المشترك الموقّع مع حكومة العراق بل تصرفت أميركا المتصهينة بسلوك ترامب كدولة محتلة لاتعترف بسيادة ولا بقرار استقلال العراق والعراقيين، وبعد أن اتخذ برلمان العراق قراره بضرورة إنهاء الوجود الأميركي على أرض العراق رفض وزير الدفاع الأميركي القرار وأعلن ترامب عن عدم جواز القرار بالأصل، ووفقاً لمقتضاه ولهذا النهج المتغطرس لأميركا ترامب قامت إيران بالرّد على اغتيال القائدين في المقاومة وخاصة سليماني حيث قصفت القاعدة الأميركية في الأنبار عين الأسد وحذّرت الدول المتحالفة مع أميركا إذا شُنّ من أرضها هجمات أميركية على إيران بأنها ستتعرض للهجوم على القواعد الأميركية فيها.
هذه هي أميركا، ولا تزال في عين الأعراب حليفاً ورغم أنها جاءت بالدواعش ودخلت أراضينا لدعمهم وما زالت حليفة عند الأعراب، بينما روسيا، وإيران رغم ما قدّماهُ وما زالا يقدمانه لنا في حربنا الوطنية العادلة ضد الإرهاب ينظر لهما الأعراب بمنظور مختلف، وقد جاءت زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى دمشق كحدث دولي مهم جداً في أعقاب الاغتيال الأميركي للقائدين، وما سيحدث من رد إيراني، وما سيكون من مواصلة الجيش لتحرير إدلب، والدور الأردوغاني القذر في هذه المسألة. نعم لقد وصل الرئيس الروسي إلى دمشق في زيارة غير تقليدية ليتداول مع الرئيس بشار الأسد بانتهاء الظاهرة الإرهابية في سورية، وأن أمن سورية واستقرارها، واستقرار المنطقة هو أولوية بالنسبة للقيادتين: السورية، والروسية، وقد عكست الزيارة بتوقيتها وشكلها ومضمونها علاقات الأخوة والصداقة بين البلدين والرئيسين، وحرصهما المشترك على تحرير كل شبر من الأراضي السورية المحتلة، وإعادة الأمن والأمان إلى سورية والمنطقة عموماً.
د. فايز عز الدين
التاريخ: الاثنين 13-1-2020
الرقم: 17167