ثورة أون لاين -بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم: يتحرك ساعي البريد البريطاني ومعه حقائب متخمة برسائل متباينة، لا تكتفي بمحاولة الخلط في قراءة المشهد، بل تضيف إليه المزيد من الغموض والألغاز والأحجيات، وهو الذي اعتدنا عليه ناقلاً حصرياً لرسائل التصعيد الأميركية ومؤتمناً على بلاغات حربها على مدى عقود مضت.
اليوم.. يحاول ان يكون في دور مختلف، يلتبس فيه على نفسه، ينقل رسائله بالمقلوب، ويتحول من ناقل لأمر العمليات الأميركي إلى شاهد على تطمينات تحتاجها واشنطن قبل غيرها، وتبحث عنها بعد أن أعيتها الحيلة في فهم مغزى الخطوات الروسية وحدودها.
وبغض النظر عما تمكن منه كاميرون في موسكو، وما استطاع الحصول عليه أو ما فشل في نيله، فما هو واضح أنه يحط رحاله في البيت الابيض، وفي جعبته أوراق اختلطت عليه اتجاهاتها، وتباينت حساباتها، وفي كثير من الأحيان احتار في قراءتها، وفشل في توظيفها، وقد يتعثر في فهمها.
يحضر.. ولسان حاله يبحث عن نجدة أميركية تعينه على فكّ بعض أسرارها، وجزء من ألغازها، لكنه وجد الأميركي ذاته أكثر حاجة لمن يساعده، وأشد حاجة لمن يعينه للخروج من حيرته وارتباكه في معادلة يدرك أنها وصلت إلى نهاياتها، ولم تعد تقبل القسمة على اثنين.
فالبريطاني يدرك وهو القادم من موسكو أن المسارعة إلى واشنطن «فرض عين» لا يصح معه «فرض الكفاية»، وعندما تحين لحظة التموضع المنتظرة داخل المعادلة الدولية، سيضطر – كما الفرنسي – لمراجعة الكثير من أوراقه وإعادة النظر في الكثير من مواقفه، وفي مقدمتها فرملة حماسته في تسليح الإرهابيين.
ففي حسابات المعادلة الدولية تبدو كفة الأوزان مختلفة، ومساحة الأدوار الهامشية والثانوية مقتضبة، وفي بعضها لا مكان لها، ولا قيمة، وربما لا تقدم الكثير، والفارق بين وجودها من عدمه يكاد ان يساوي في محصلته النهائية صفراً.
لم يعد لدى أحد أوهام بأن التقاطر الغربي بحثاً عن مقعد سيتواصل، حتى لو كان في العربات الخلفية، أما الأدوات فسيكون صعباً عليها أن تجد فيه موضعاً لقدم لها، وحالها يماثل حال مرتزقتها التي تبحث عن حدث يعيد خلط الأوراق قبل فوات الأوان، وبأمر عمليات لم تكن الأصابع التركية ومشيخات الخليج – حليفتها في دعم الإرهاب وتمويله – بعيدة عنه.
في موسم الاستحقاق، اعتاد الغرب الأوروبي على تقديم لوائح مفصلة بخدماته المقدمة للأميركي، وبقائمة أطول عما فعله من أجل الإسرائيلي، فيما جردة حساب الأدوات والمرتزقة تتأخر، وأحيانا لا تأتي ربما من باب المكابرة، وفي أحيان كثيرة من زاوية الغباء السياسي وقد تكون من منطلق السذاجة، اما الإرهابيون والمرتزقة فيسارعون إلى التذكير بحالهم، وحين تصل هذه الحال إلى حد التجاهل أو إلى مستوى الاستحالة في تجاوزها، لا تتردد في لسع الجحر الذي يؤويها.
ما هو مؤكد أن المعادلة القائمة تبدو ثقيلة على الأميركي، وتثير هواجس حلفائه، ومخاوف أدواته، ورعب مرتزقته.. ومواقفه المترنحة والمتأرجحة تفسر عبء ما يواجهه، لكنه يدرك- كما سائر أطياف كفته- أن القادم أكثر عبئا، وأن ترنّحه سيزداد، والتأرجح سيتسع، وحين يترنح الكبير يتساقط الصغار، وتتبعثر الأدوات.. وتتصادم أيضاً.
على الضفة الأخرى تبدو الموازين مغايرة، والحسابات واضحة والمعادلة لا لبس فيها ولا غموض، فما يصلح اليوم لن يكون كذلك غداً، وما كان في الماضي مسموحاً أو مسكوتاً عليه، بات من المحظور حتى الاقتراب منه، والخطوات التي بدأت تبدو أكثر التصاقاً بالأرض تحسم اليوم معادلات السياسة.
a.ka667@yahoo.com