ثورة أون لاين-هيثم يحيى محمد:
تعتبر الزراعة المحمية من أهم الزراعات في الساحل السوري بشكل عام وفي محافظة طرطوس بشكل خاص حيث يعمل بها آلاف الأسر وعشرات الآلاف من العمال الزراعيين وغير الزراعيين من داخل المحافظة وخارجها، وتعتبر مورد رزقهم الوحيد إضافة لكونها مصدر تنمية للاقتصاد الوطني عبر توفير فرص العمل وتأمين المواد الغذائية على امتداد العام وتصدير الفائض للخارج بالقطع الأجنبي..الخ.
ويبلغ عدد البيوت البلاستيكية في المحافظة نحو 135 ألف بيت منها في منطقة طرطوس ٨٣٨٢١ بيتا، وبانياس ٤٣٣٨٩ ،وصافيتا ٤٣٦١ ، وفي القدموس ١٤٨٨ بيتا ، والدريكيش ٩٧ ، والشيخ بدر ٢٧٩ بيتا ويصل إنتاجها السنوي لنحو 550 ألف طن منها (430)الف طن بندورة و (32)ألف طن خيار ثم فليفلة وباذنجان وبعض الزراعات الأخرى.
هذه الزراعة التي سبق وكتبنا عنها عدة مرات ستكون محور تحقيقنا لهذا اليوم من الألف إلى الياء بشؤونها وشجونها وصولاً للمقترحات الكفيلة بتطويرها.
عمل مرهق ومكلف
البداية كانت مع بعض المزارعين الذين حدثونا عن كيفية التحضير لزراعة البيت البلاستيكي.. تقول نجود عباس التي تقوم بتهيئة وزراعة عدد من البيوت البلاستيكية:العمل في الزراعة المحمية مرهق ومكلف وخطوات الزراعة تبدأ أولا بحراثة الأرض المخصصة للنفق البلاستيكي مرة وبعدها يتم وضع السماد ثم تتم فلاحة الأرض مرة أخرى و يتم توزيع النقاط بشكل متناسق كل بيت عشرة خطوط وتتم التروية ومن ثم التعقيم وتغطى فترة 15يوما ثم نزيل النايلون من اجل التهوية ونحضر البذور والأدوية من الصيدلية الزراعية كل نوع من البذار له سعر من50الفاً الى 100الف ليرة.
وعندما نزرع الشتل بالأرض نرش المبيدات، أما البذور فتزرع في شرائح مدة 20يوما، وأهم أمر وضع ناموسيات على الأبواب بشكل محكم قبل الزراعة حتى لايدخل البرغش او الذبابة البيضاء.
وعندما سألناها:يقال إن الكثير من البذور والأدوية والمثبتات لهذه الزراعة يأتي تهريباً من لبنان ودول الجوار وهو غير مضمون صحياً وبعضه قد يكون مسرطناً كالمادة المحمّرة(مادة تحمّر الثمرة خلال 3 أيام بينما تحتاج لعشرين يوماً) ما رأيك بذلك؟ أجابتنا بالقول:لاأعتقد ذلك فنحن نأتي بمستلزمات الإنتاج من الصيدليات الزراعية المرخصة ومن يرش المادة التي تحمّر البندورة يكون من ضعاف النفوس وقليلي الضمير، وإذا تم كشفه يوضع بالسجن كونها قد تسبب السرطان فعلاً.
وهنا سألناها:وكيف يمكن ان يتم كشفه، وهل هناك من كشف أمره في منطقتكم؟ أجابت: عندنا في منطقة مرقية لايوجد احد لكن منذ زمن تم كشف احد مستخدمي مادة المحمّر في منطقة جبلة كما أتذكر ونال جزاءه العادل وعلى الجهات المعنية ألا تتساهل في ذلك.
من جهته قال الفلاح حيدر صالح من يحمور: إن التحضيرات لهذه الزراعة عديدة وتحتاج لنفس طويل حيث تتم فلاحة الارض اذا كانت جيدة فلاحة عميقة ومن ثم تنظف من الصخور ان وجدت، وبعد ذلك تحرث مرتين على الاقل..ومن ثم يتم تشييد البيت البلاستيكي عليها ..يضاف بعد ذلك السماد(بقر او فروج) والسماد الكيميائي (بوتاس -فوسفات -ازوت).. وتغطى وتعقم بنايلون رقيق لمدة ٤٠-٦٠ يوما على الاقل.. و بعد ذلك تزرع بالمحاصيل.
وتابع:تكلفة البيت البلاستيكي مساحة ٣٠٠ متر مربع حوالي ١ مليون ليرة مزروع و جاهز.. ويتم تأمين الأدوية و البذور من الصيدليات بشكل عام.. والأسعار كلها مرتفعة، مثلا سعر لفة النايلون الحراري الذي يكفي ثلاث سنوات حوالي ٣٠٠ألف.. وسعر الفلينة الواحدة جديدة٣٥٠ليرة .. وظرف البندورة ألف بذرة ١٠٠ألف ليرة.. وظرف الباذنجان ٨٠الفاً..وشتلة البندورة المطعمة ٣٠٠ ليرة. شتلة باذنجان المطعمة ٢٠٠ليرة .. وعلبة مبيد عناكب (دانيسارابا)٤٥ألفاً.. ودواء للعفن للبرميل٢٠ألفاً.. ومثبت زهر العلبة ألفان وخمسمئة ليرة.
وعندما سألناه عن مدى صحة ان الكثير من البذور والأدوية والمثبتات لهذه الزراعة يأتي تهريباً من لبنان ودول الجوار وهو غير مضمون صحياً قال:هذا كلام صحيح. وبعض المزارعين يلجؤون الى ذلك بسبب غلاء الأسعار.
مثبّت العقد(الهرمون)ممنوع..لماذا؟
وعن مثبتات العقد والادوية الزراعية المستخدمة في زراعة البيوت البلاستيكية وخاصة مادة البندورة اوضح احد المزارعين في منطقة الخراب (المخضرمين)الذي فضّل عدم ذكر اسمه، ان مثبت العقد غير مسموح باستيراده وبالرغم من طرح الموضوع على وزارة الزراعة وعلى مدار ثلاثين سنة ماضية يكون الجواب ان هناك قانوناً يمنع استيراد واستخدام الهرمونات.علما ان هذا المثبت (الهرمون) مستخدم على مستوى دولي وخاصة بالدول الاوروبية وهو هرمون نباتي ليس له اي تأثير (منظم نمو) وموجود بشكل طبيعي عند النبات لكن إفرازه بكميات يتطلب وجود حرارة تناسب المحصول والبديل في الزراعة المحمية هو تأمين تدفئة لاتقل عن ١٥درجة، وعندما تتدنى الحرارة تصبح غير قابلة للإخصاب وهذا ماكنا نلاحظه عند تجربة النحل الطنان في البيوت البلاستيكية، ان النحل لايزور الازهار عندما تتدنى درجة الحرارة..وقال: المطلوب من وزارة الزراعة دراسة الموضوع فنياً وبيان الحاجة الفعلية لهذه المواد وتشريع استيرادها..ووقف عمليات التهريب وهذا ماينطبق على الأدوية الزراعية المهربة وخاصة المبيدات الزراعية (المهربة) غير المضمونة التي قد تسبب الامراض.
وختم قائلاً:باختصار الكل يعلم بأن مثبتتات العقد اساسية للزراعات المحمية سواء وافقت وزارة الزراعة على استيرادها او لم توافق وتدخل تهريبا ودون مراقبة او تحليل لهذه المواد، بالإضافة الى بعض أنواع الأدوية الزراعية.. وهنا نطالب وزارة الزراعة بأخذ دورها في معالجة هذه المشكلة وإيقاف الهدر للاقتصاد الوطني.
اتحاد الفلاحين
من جهته مضر أسعد رئيس اتحاد فلاحي طرطوس قال رداً على سؤال(الثورة)حول دور اتحاد الفلاحين في مجال هذه الزراعة ومراقبة المواصفات المتعلقة بإنتاجها والمقترحات الكفيلة بتطويرها من الجوانب كافة:
نحن كفلاحين مظلومون، فنحن نشتري كل مستلزمات الإنتاج لهذه الزراعة من قساطل وبلاستيك ونايلون وبذار وسماد وأدوية وغيرها بأسعار باهظة ونحن نسهر الليالي لحماية الإنتاج من الصقيع والظروف الجوية القاسية، ونحن نبيع الإنتاج بخسارة في معظم الحالات..وأضاف:وحتى نطور واقع هذه الزراعة المهمة ونحمي منتجيها نطالب بدعم حكومي من خلال تأمين البذار والأدوية والأسمدة ولفات النايلون بسعر مدعوم يخفف من التكاليف الباهظة. كما نطالب بتشميل البيوت البلاستيكية بالتعويض من صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث خاصة وان تكاليف هذه الزراعة تفوق الزراعة العادية الأخرى خمسة أضعاف. فحالياً لايتم التعويض في حال تعرض البيت البلاستيكي للدمار بسبب التنين الهوائي إلا لجزء من قيمة إنتاجه، ونطالب الجهات الحكومية ذات العلاقة بخلق جو مريح للفلاحين كي يستمروا بهذه الزراعة التي تؤمّن حاجة السوق الداخلية من الخضار والفواكه، والقطع الأجنبي للبلد عند تصدير جزء من انتاجها للأسواق الخارجية.
لجنة لمراقبة المواد وضبط المخالفات
تابعنا الأمر مع الجهات المعنية وكانت البداية من مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حيث سألنا مديرها حسان حسام الدين عن الدور الذي تقوم به المديرية في مجال مراقبة المواصفات المتعلقة بإنتاج هذه الزراعة والتأكد من أنها خالية من المواد الهرمونية، فأجابنا قائلاً:مراقبتنا لمواصفات المواد المتعلقة بالزراعات المحمية تتم من خلال لجنة مشكلة لهذا الخصوص تضم عناصر مراقبة من مديرية الزراعة بالإضافة الى عناصر حماية المستهلك..
وتعمل اللجنة على تدقيق مواصفات المواد والأدوية المتعلقة بالزراعات المحمية المتعامل بها لدى الصيدليات والمراكز الزراعية..
وأضاف:كما تعمل اللجنة على تنظيم الضبط اللازم في حال وجود اي مخالفة تتعلق بخلل ببطاقة المواصفات او اذا كانت المادة غير مسموح التعامل بها او مجهولة المصدر. وفي هذا الخصوص فقد بلغ عدد الضبوط المنظمة بموضوع مواد (مجهولة المصدر -مهربة)خلال العام الماضي ٢٦ ضبطا..
وتمت مصادرة المواد موضوع المخالفات بالإضافة الى اغلاق الصيدلية او المركز المخالف، علما ان المواد المستوردة المتعلقة بالزراعات المحمية تتم مراقبتها عن طريق مديرية الزراعة وتقوم بإجراء التحاليل اللازمة عليها قبل توزيعها على الصيدليات..
مديرية الزراعة.. إرشاد وضبط
توجهنا في الختام لمديرية زراعة طرطوس والتقينا مديرها المهندس علي يونس بحضور كل من رئيس دائرة الإرشاد ورئيس دائرة الإنتاج النباتي ورئيس دائرة الوقاية في المديرية، وطرحنا عليهم بضعة أسئلة حول هذه الزراعة كان أولها عن الدور الذي تقوم به المديرية بخصوص هذه الزراعة بدءاً من ترخيصها وصولاً للإنتاج، فأجابوا: إن المديرية تقوم من خلال دوائرها المختصة والدوائر الزراعية في المناطق بمنح التنظيم الزراعي اللازم لإنشاء البيوت المحمية للمزارعين الراغبين بترخيصها وإرشاد المزارعين للطريقة الصحيحة لإنشاء هذه البيوت وتجهيزها للزراعة وخدمة المحصول للحصول على نباتات سليمة وإنتاج سليم ووافر كما تقوم المديرية بواسطة كوادرها الفنية بمتابعة توجيه الاخوة مزارعي البيوت المحمية لتنفيذ التعليمات الفنية للحصول على انتاج سليم خال من الاصابات المرضية والحشرية من خلال تطبيق استراتيجية الإدارة المتكاملة والآمنة لمكافحة الآفات المختلفة التي تصيب هذه الزراعة من خلال إجراءات ما قبل الزراعة: وهي إزالة بقايا المحصول السابق بالكامل والتخلص منه بالحرق او بالطمر والتخمير.. وتنفيذ التعقيم الشمسي بشروطه النظامية والابتعاد عن استخدام المواد الكيميائية في التعقيم وإجراءات عند الزراعة وبعدها وهي:الاعتماد على الاصناف المحسنة والمتحملة والمقاومة للآفات والمناسبة للبيئة المحلية وذات الانتاجية الجيدة.. والتقيد بمسافات الزراعة لتأمين التهوية الجيدة للنباتات المزروعة وإضافة الاسمدة وفق تحليل التربة والمعادلات السمادية واحتياجات النبات المزروعة حسب كل مرحلة فيزيولوجية للنبات..وإحكام اغلاق البيوت البلاستكية المزروعة لمنع وصول الآفات الحشرية وذلك باستخدام الشباك الخاصة على فتحات التهوية واستخدام الابواب الشبكية المزدوجة مع الالتزام بتغطية ٢٠%من البيت المحمي بالشباك لزوم تحسين التهوية وتقليل الإصابة بالأمراض وخاصة الفطرية والبكتيرية.. وتوجيه الاخوة المزارعين لتنفيذ الإدارة المتكاملة والآمنة لمكافحة آفات الزراعات. المحمية(حشرية_فطرية_بكتيرية_فيروسية…) من خلال الاعتماد على المكافحة الحيوية باستخدام الاعداء الحيوية (فطر التريكودرما لمكافحة آفات التربة المختلفة الفطرية والنيماتودا.. زراعة نبات اليقطين في زاوية البيت البلاستيكي لتربية ونشر العدو الحيوي الخاص بحافرة انفاق البندورة.. والاعتماد على بكتيريا الباسيلوس في مكافحة بعض الآفات واستخدام المبيدات ذات المنشأ النباتي مثل مادة الازدرختين وغيرها من بدائل استخدام المبيدات الكيميائية في مكافحة الآفات المنتشرة.. واستخدام المصائد الفيرمونية والمائية واللونية واللاصقة والضوئية لمراقبة ومكافحة العديد من الآفات وإزالة الأجزاء النباتية المصابة وإتلافها بالحرق خارج البيوت….الخ)..وتوعية وإرشاد المزارعين من خلال إقامة ندوات إرشادية وأيام حقلية تنشر من خلالها توضيح إجراءات الإدارة المتكاملة والآمنة لآفات الزراعات المحمية.
ورداً على سؤال(الثورة)حول استخدام مثبتات العقد و(محمّر)البندورة من قبل البعض من خلال مواد مهربة أجابوا:إن المواد المسموح باستخدامها لتحسين العقد ومواصفات الثمار الشكلية واللونية هي عبارة عن اسمدة عضوية تحتوي مادة الكربون العضوي مع العناصر النادرة والأحماض الامينية اللازمة لتغذية أجزاء الزهرة وتحسين العقد وإعطاء مواصفات شكلية ولونية جيدة للثمار وهذه المواد مدخلة بشكل نظامي الى القطر وخاضعة للتحاليل اللازمة للسماح باستخدامها وهي مختومة بخاتم لجنة مراقبة تداول المواد الزراعية.
اما فيما يخص المواد المهربة وغير النظامية من مثبتات العقد والمحمرات فيتم التحري عنها ومصادرتها وتنظيم الضبوط بحق مروجيها ومستخدميها من قبل عناصر الضابطة العدلية في المديرية..
و عن أهم المقترحات لتطوير هذه الزراعة من كافة الجوانب لما لها من أهمية أجابوا:نقترح تأمين مستلزمات إنتاج الزراعة المحمية (بذار محسنة ومتحملة للآفات – أسمدة بأنواعها _نايلون ومعدات الانتاج _مبيدات متوافقة مع IPM)بأسعار مدعومة وتؤمن للمزارعين الذين يتقيدون بتنفيذ شروط وتعليمات برنامج الادارة الآمنة لآفات هذه الزراعة بغية الحصول على منتج سليم ويحقق جدوى اقتصادية للمزارعين وخالٍ من الآثار المتبقية للمواد الكيميائية.وتأمين اسواق لتصريف منتجات الزراعة المحمية وبأسعار تحقق ريعية للمزارعين للحفاظ على استمرارية هذه الزراعة وتطويرها _مشاركة الاعلام والمنظمات الشعبية والفلاحية والاهلية بضرورة الابتعاد عن استخدام مستلزمات الإنتاج غير النظامية والمجهولة المصدر(بذار _اسمدة_مبيدات…) لما لها من اثر سيء على البيئة والصحة والانتاج والاقتصاد الوطني.
أخيراً
في الختام لابد من التأكيد على أهمية هذه الزراعة من جوانب مختلفة وعلى ضرورة دعم منتجيها ليقدموا للسوق الداخلية والأسواق الخارجية إنتاجاً بمواصفات جيدة وآمنة وأسعار مقبولة داخلياً ومنافسة خارجياً، وتنفيذ المقترحات الواردة في متن هذه المادة الصحفية كفيل بذلك.