منذ العدوان الغادر في الخامس من حزيران عام 1967 والذي أفضى إلى احتلال القسم الأكبر من الجولان.. لم يهدأ بال الكيان المعتدي ولم يشعر بالاستقرار على هذه القطعة المباركة من الأرض يوما واحدا، ومن اللحظة الأولى شكل الأهل في الجولان المحتل الخلايا المقاومة والتي استندت في صراعها مع المعتدي على عدة عوامل أهمها: الإرث التاريخي والنضالي لأهل الجولان والوعي السياسي الذي تمتع به الجولانيون وعمق الانتماء للعروبة والوطن الأم ووحدة الصف في وجه المحتل الصهيوني.
وقف العدو عاجزا عبر كل سنوات الاحتلال فلا استطاع الاحتواء، ولم تجد أساليبه في القهر والتعسف والحصار والتنكيل في كسر إرادة الجولانيين أو تغيير بوصلتهم النضالية والتي كان عنوانها الدائم التحرر من المستعمر والعودة إلى حضن الوطن مهما كلف الثمن ومهما بلغت التضحيات.. إنها باختصار قصة الجولان.
ويبدو أن العدو لم يتوقع أن يبقى سكان سوريون في الجولان العربي السوري وهو الذي أرادها أرضا بلا شعب، وعمد في سبيل تحقيق هذه الغاية إلى المجازر والقتل والتشريد وهدم البيوت والترحيل القسري لمن تبقى من المواطنين متجاوزا كل الأعراف والمواثيق الدولية التي تخص حقوق الإنسان وأهمها أحكام القانون الإنساني الدولي «اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب».
«الثورة» التقت الباحث في شؤون الجولان يوسف ركاب للحديث عن الجولان السوري المحتل وإجراءاته الاحتلال العدوانية ضد أهلنا فأكد أن من بقي من المواطنين السوريين متحديا الاحتلال، متشبثا بالأرض وظل شوكة في حلقه فعمد (الإسرائيلي) إلى الخبث في محاولات استيعاب السكان بالترغيب والترهيب.
هيهات أن تجدي هذه الأساليب نفعا مع أولئك الذين تمرسوا في النضال وورثوا أساليب الكفاح والمقاومة أبا عن جد، فقد مر على هذه الأرض كل من الاستعمارين العثماني والفرنسي واندحرا بقوة وعزيمة أهل هذه الأرض الذين قدموا في سبيلها تضحيات زينت كتب التاريخ واليوم تحت نير آخر استعمار على وجه البسيطة إلا وهو الاحتلال الصهيوني ظل دينهم وديدنهم «الوطن» وشعارهم الأسمى «الموت و لا العار».
وتحدث ركاب عن أهمية الجولان بالنسبة للكيان الإسرائيلي وقال إن الهدف الأول والأهم من احتلال الجولان هو التوسع في سبيل تحقيق الحلم الصهيوني بإقامة إسرائيل الكبرى والجولان من حيث الموقع والارتفاع يدعم عسكريا مشروع العدو بالتوسع والسيطرة، أما الجوانب الاقتصادية والتي باتت من وجهة نظر المحللين الاستراتيجيين هي الأهم، فالجولان يشكل خزان مياه يغطي ثلث حاجة الكيان من المياه يضاف إلى ذلك ما يتمتع به الجولان من تنوع مناخي وما يتبعه من تنوع وخصوبة في التربة، مبينا أنه وفي مقابل صمود المواطنين من أهل الجولان وإمعانا من المحتل في تكريس احتلاله وتثبيت أقدامه فقد عمل على ثلاثة محاور الأول بناء المستوطنات، حيث استقدم المحتل مستوطنيه من شذاذ الآفاق وأقام المستعمرات على الأراضي التي تعود ملكيتها للجمهورية العربية السورية، أو المهجرين من المواطنين السوريين بموجب قانون سنه المحتل ينص على الاستيلاء على الأموال المتروكة، وقد بلغ عددها على أرض الجولان ثلاثين مستوطنة تضم نحو (20.000) مستوطن قدمت لهم الأرض بالمجان والمزيد من التسهيلات المالية مقابل خمس قرى بلغ عدد سكانها / 25000/ نسمة، كذلك أقامت سلطات الاحتلال ستين موقعا عسكريا وزرعت حقول الألغام وحظرت على من تبقى من السكان دخول القرى المدمرة، أما المحور الثاني فهو سرقة الموارد من خلال التنقيب عن النفط، حيث اعترفت شركة نفط إسرائيلية في العام 2015 بأنها وجدت احتياطيا نفطيا كبيرا في الجولان كذلك استغلال مياه الجولان المعدنية في التعبئة والتصدير وسرقة المياه الجوفية التي تغطي 30% من حاجة الكيان والمحور الثالث محاولة طمس الهوية السورية من خلال تخريب التعليم، فقد تقلص عدد المدارس في الجولان المحتل من /158/ مدرسة بمختلف مراحلها قبل الاحتلال إلى بضع مدارس أهلية تفتقر إلى المدرسين حيث عينت سلطات الاحتلال معلمين ممن وصلوا إلى الصف الحادي عشر أو الثاني عشر وأبعدت المعلمين الذين يتمتعون بوعي سياسي عال وألغت المناهج الدراسية السورية وفرضت مناهج «إسرائيلية» كما أدخلت اللغة العبرية مستعينة بجنود إسرائيليين لتدريسها تمهيدا لضم الجولان وإلحاقه بالكيان العبري عبر تشويه الوعي والذاكرة الجمعية لسكان الجولان من خلال تشويه التاريخ وتحويله إلى تاريخ طائفي (كان محط سخرية من قبل الأهالي) كذلك تهميش اللغة العربية ناهيك عن ضحالة بقية المواد.
وأكد الباحث بشؤون الجولان أن الكيان فشل بمحاولة السيطرة على التربية والتعليم وتجلى ذلك في إضراب 1982 رفضا لضم الجولان، حيث لعبت المدارس دورا محوريا في هذه المرحلة إذ لم تجد كل أنواع التضييق والحصار (وعلى كل المستويات) في تذويب هوية الجولان السورية بل ظل الأهالي الوطنيون أوفياء للوطن الأم، ولأن العدو كان يخطط منذ البداية لتكريس احتلال الجولان وفصله نهائيا عن الوطن السوري، فقد أقدم ما يسمى الكنيست الصهيوني في 14 كانون الأول 1981 على إصدار قانون يقضي بضم الجولان، والذي اعتبر مرتفعات الجولان السوري المحتل عام1967 جزءا لا يتجزأ من الكيان الصهيوني وتضمن أيضا فرض التجنيد الإجباري على المواطنين السوريين وهذا القانون لم يكن ارتجاليا أو وليد اللحظة بل هو تنفيذ لحلم قديم ورد في كتابات منظري الصهيونية الأوائل والذين أكدوا دائما أهمية ضم الجولان إلى الكيان، فقد جاء على لسان الصهيوني بن غوريون عام 1918 أن الدولة العبرية لا بد أن تضم قضاء القنيطرة، كذلك أكد وايزمن 1920 في مؤتمر سان ريمو عدم قبوله تحت أي ظرف بخط سايكس- بيكو كأساس للتفاوض لأن هذا الخط يقطع عن فلسطين منابع المياه التي تزود نهر الأردن والليطاني بل أكثر من ذلك فإنه يحرم الوطن اليهودي بعض أجود حقول الاستيطان في الجولان وحوران والتي يعتمد عليها المشروع الصهيوني بأسره إلى حد كبير.
وأوضح ركاب أن المواطنين السوريين عارضوا قرار الضم مؤكدين أن الجولان أرض سورية محتلة، وأنهم عرب سوريون لكن سلطات الاحتلال استمرت في ضغطها لتنفيذ القرار من خلال مضايقة السكان في أعمالهم وتحركاتهم وتكثيف حملة المداهمات والاعتقالات مما دفع بالمواطنين السوريين لإعلان الإضراب المفتوح في 14 شباط 1982 والذي شارك فيه الجميع الشيوخ والشباب والنساء والأطفال، حيث لجأت سلطات الاحتلال إلى فرض الهوية الإسرائيلية بالقوة, فوزعت جنودها وفرضت منع التجول وبدأ الجنود بتوزيع الهويات الإسرائيلية والتي قام السكان بتمزيقها أمام الجنود ودوسها بالأقدام, وتصاعدت حدة المواجهات فتمت مهاجمة سيارات جيش الاحتلال واشتبك الأهالي بالحجارة والأكف مع الجنود المدججين بالسلاح، وتحت إصرار الجولانيين على المقاومة وبسبب صبرهم على كل أنواع الحصار والقهر فقد انتصرت العين على المخرز، وثبت أن إرادة رجل حر أقوى من قفل السجان… وهكذا فقد حقق الإضراب معظم أهدافه وتراجعت سلطات الاحتلال مرغمة عن فرض الهوية والجنسية، وعليه فقد تم تعليق الإضراب والذي استمر نحو 157 يوما وقد يكون هو الإضراب الأطول في تاريخنا المعاصر.
وبقي في القرى الخمس نحو 7000 مواطن زاد عددهم اليوم عن خمسة وعشرين ألفا قاوموا كل أنواع القهر والحصار والتجويع وظلوا شوكة في حلق الكيان وهو الذي أرادها أرضا بلا شعب فحافظوا على الهوية السورية للجولان وعطّلوا ولا يزالون مشاريع العدو في الضم والتهويد وكان الثمن أكثر من 700 أسير ووصلت أحكام البعض منهم إلى أربعين عاما و 202 شهيد, و329 إعاقة دائمة ناهيك عن محاربة الناس في طعامهم وشرابهم ومصادر رزقهم، فقد امتنع العدو عن تسويق محاصيل الجولان الزراعية والتي هي مصدر الرزق الوحيد بهدف دفعهم للاستسلام.
ولفت ركاب إلى أن الدولة السورية كانت حاضرة دائما وأبدا في الجولان، وللجولان في عهد قيادة القائد المؤسس حافظ الأسد كما في ظل قيادة السيد الرئيس بشار الأسد الحكيمة والشجاعة، تقدم كل أشكال الدعم المادي والمعنوي من أجل تعزيز صمود الأهل وذلك بأشكال متعددة، فقد استمرت قوافل الطلبة السوريين بالتوافد إلى جامعات الوطن للدراسة بكامل التسهيلات والعودة بالشهادات من مختلف الاختصاصات مما يلبي حاجة الجولان المحاصر إسرائيليا من الكوادر العلمية، كذلك تسويق التفاح الجولاني بالسعر العالمي وتحملت الدولة السورية الفروق السعرية لصالح صمود أهالي الجولان المحتل عن طريق معبر القنيطرة والذي أغلقته سلطات الاحتلال بواسطة عملائها من العصابات الإرهابية أثناء الحرب الظالمة على سورية من أجل إطباق الحصار على الأهل في الجولان، كما صدرت مراسيم رئاسية تقضي باعتبار الموظفين الموجودين تحت الاحتلال على رأس عملهم يتقاضون رواتبهم من الدولة السورية وتم منح الرقم الوطني للمواطنين في الجولان المحتل تأكيدا على أنهم مواطنون عرب سوريون.
لقد أكد السيد الرئيس بشار الأسد في كل خطاباته وأحاديثه ومقابلاته الصحفية عروبة وسورية الجولان وأهمية استعادته كاملا غير منقوص مهما طال الزمن (إن أهلنا الصامدين في الجولان لن يكونوا لا اليوم ولا في المستقبل القريب إلا عرباً سوريين ولأن الزمان مهما طال فإن هذه الأرض ستبقى لنا وستعود كاملة عاجلا أم آجلا).
ويؤكد سيادته حتمية استعادة الجولان بقوله(لا نستطيع أن نقول أن الجولان مهم بل هو حق إن كان مهما أو غير مهم فهو أرض لنا وبالتالي يجب أن يعود بكل الأحوال).
ولأن القيادة السورية بمختلف مستوياتها السياسية والعسكرية قد أكدت استعادة الجولان سلما كان أم حربا، فقد أقدمت إدارة ترامب على الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان لتبرير تدخلها عسكريا إلى جانب الكيان في الوقت الذي تبدأ سورية حرب التحرير ولكن الجيش الذي خاض معارك أشد وأعنف ضد العصابات الإرهابية العميلة، والشعب الذي بات في أقصى درجات الجهوزية النفسية والمحور الداعم والذي مركزه دمشق عرين الأسد وشخصية القائد الأسد ونمط تفكيره المقاوم مجمل هذه العوامل هي مما يجعل فرائص العدو ترتعد حتى لو وقف خلفه العالم بأسره والإسرائيلي أكثر من يدرك هذه الحقيقة.
وليس لدينا أدنى شك بأن الجولان سيتحرر قريبا وقريبا جدا وسيخفق العلم السوري فوقه كاملا وأن أرض الجولان ستكون تحت أقدام جنودنا الأبطال في مشوار التحرير القريب وستحافظ الأرض على وجهها العروبي، بقراها ومزارعها وأوديتها وسهولها وهضابها.. هكذا يقول الجولانيون الذين ظلوا أوفياء لوطنهم رغم ما يزيد عن نصف قرن من الاحتلال دافعهم الأساس للصمود وإيمانهم بأن مشروع التحرير قد بدأ وثقة لا تتزعزع بدولتهم وقيادتهم، وهكذا تقول سورية الدولة التي تؤكد يوميا أن الجولان جزء لا يتجزأ من أراضي الجمهورية العربية السورية وحقنا باسترجاعه لا يسقط بالتقادم, وعليه فإننا سنعمل على استعادته بالطريقة التي نراها مناسبة مع الاستمرار بدعم المقاومة في داخل الجولان المحتل.
إن هذا الاستعمار هو آخر استعمار على مستوى العالم و مصيره إلى زوال بهمة وإرادة وتصميم شعبنا وقوة وصلابة جيشنا وعزيمة قائدنا السيد الرئيس بشار الأسد.
خالد خالد
التاريخ: الأثنين 2 – 3 – 2020
رقم العدد : 17206