المنفسات الطبية في المســـتشفيات العامة.. نقــص بــالعـــدد.. والعقوبات الجـــائـرة تمنــع تــوريدهــا
أعدادها لاتكفي في المشافي العامة ومن هنا تبدأ رحلة البحث المضنية عن منفسة شاغرة، وعلى الرغم من التحديات وتداعيات الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على بلادنا، والصعوبات التي تواجهها المشافي العامة بسبب نقص بعض المعدات والمستلزمات الطبية العالية التقنية والأدوية، مازالت الحكومة تبذل الكثير من الجهود لتوفير الرعاية الصحية وإيصال الخدمات الطبية للمرضى. لكن، ما يواجه القطاع الصحي اليوم من نقص واضح، لجهة أعداد المنفسات الطبية (أجهزة التنفس الاصطناعي) المخصصة للأمراض والإصابات الحرجة على صعيد عمل مشافي الحكومة، وما يستتبع ذلك أيضاً من نقص في بعض الأحيان في متممات تشغيلها، فإنها تبدو حسب رأي الكثيرين من أهالي المرضى الذين يقضون أوقاتاً صعبة من أجل مريضهم أثناء البحث عن منفسة شاغرة بين أروقة المستشفيات العامة، واللجوء إلى المستشفيات الخاصة، لعدم توافرها في العامة، ودفع مبالغ طائلة من أجل الحصول عليها، تبدو من القضايا الأساسية التي تفرض على الجهات المعنية إيجاد آليات جديدة وبدائل ناجعة للتخفيف منها ما أمكن، والإسراع في خطة عاجلة لتأمين ما يسد حاجة المستشفيات منها.
تساؤلات واستفسارات!!
مجموعة من الأسئلة والاستفسارات التي حملناها لعدد من السادة مديري المستشفيات العامة لاستطلاع آرائهم حول واقع حال المنفسات الطبية في المستشفيات، وهل تسد من حيث العدد الحالي احتياجات الحالات المرضية الحرجة، ومتطلبات استجرارها؟ وقد أجمع بعضهم في معرض حديثه (للثورة) على ضرورة تأمين العدد الكافي من المنفسات وغيرها، لزوم المرضى المراجعين، نظراً للضغط الكبير الذي تتحمله المشافي والأعباء الكبيرة وخدمات الرعاية الصحية التي تُقدمها.
وبحسب الدكتور نزار إبراهيم المدير العام لمشفى ابن النفيس فإن المنفسات الطبية ربما لاتفي بالغرض من حيث نقص العدد في المشافي الحكومية، بسبب الأوضاع الراهنة، لكنها بالنتيجة تؤمن الرعاية المطلوبة للمرضى، مشيراً إلى وجود 15منفسة في مشفى ابن النفيس؛12في حالة جهوزية تامة والباقي يحتاج إلى صيانة وترميم.
ويُبيّن إبراهيم (للثورة) سبب المانع من استجرار عدد إضافي من المنفسات في ضوء مليارات الليرات التي تُقدم شهرياً في المشافي الحكومية تجاه الخدمات الصحية أن آلية شراء واستجرار منفسات جديدة تحتاج إلى دراسة جدوى اقتصادية وطبية، فمن الناحية الطبية والفنية لابد من إيجاد وتجهيز المكان الملائم من غرف العناية والتجهيزات الخاصة من أجهزة ومستلزمات تابعة للمنفسة، إضافة إلى الطاقم الطبي والتمريضي المختص والتعقيم وغيره.
ويُضيف الدكتور إبراهيم: يجب دراسة التكاليف لزوم زيادة أعداد المنفسات في كل مشفى، موضحاً أن سرير العناية تفوق تكلفته في الوقت الحالي أكثر من ثلاثة ملايين ليرة، إضافة إلى ما يحتاجه من متممات، فما بالنا بالتكلفة الكاملة لسرير العناية والمنفسة وتوابعها والتي تقدر بعشرات الملايين، في ضوء ما تعانيه البلاد من إجراءات أحادية الجانب وحصار اقتصادي جائر وخاصة على القطاع الصحي، وهنا التكلفة يمكن أن تُجيّر إلى تجهيزات أخرى في المشفى.
ويعطي الدكتور إبراهيم مثالاً أن عدد المنفسات في مستشفى ابن النفيس كاف ولا حاجة لزيادة عددها مقارنة مع عدد الأسرّة، ولكن ربما بعض المشافي العامة تعاني من النقص في عدد المنفسات نتيجة الضغط اليومي وازدياد عدد المراجعين والمرضى فيها، واستجرارها مرتبط هنا بخطة مدروسة واعتماد مرصود.
مرآة لواقع المؤسسة الصحية
من جهته الدكتور ماهر حداد المدير العام للهيئة العامة لمستشفى الهلال الأحمر العربي السوري يشير إلى أهمية بلوغ الخدمات الطبية والصحية في أي مستشفى عام بكافة تصنيفاته مستوىً متميزاً وخاصة في أقسام العناية المشددة وخدمات المنفسات الطبية، ويُعد المرآة الحقيقية لواقع أي مؤسسة صحية، ولا سيما في مجال التنظيم والتعقيم والخدمات الفندقية.
ويلفت إلى وجود 4أسرّة عناية في مستشفى الهلال الأحمر العربي السوري مع 4 منفسات وواحدة احتياط وجميعها ضمن الجاهزية الكاملة، موضحاً أنه رغم تداعيات الحرب الظالمة لاتزال المشافي العامة تشكل جزءاً حيوياً من خدمات الصحة العامة وتقدم الرعاية الصحية للمرضى من خلال طواقم طبية متخصصة وأجهزة طبية متطورة.
أن الهيئات والمشافي العامة تواجه ضغطاً كبيراً من خلال زيادة أعداد المراجعين والمرضى بشكل يومي وخاصة مع تحرير الكثير من المناطق وتأمينها من قبل رجال الجيش العربي السوري وعودتها إلى حضن الوطن، وهذه الزيادة تتطلب تقديم جهود وخدمات أكبر للمراجعين، تزامناً مع الحاجة الملحة لزيادة أعداد المنفسات في ضوء ذلك.
ويكشف الدكتور حداد أن تكلفة العناية المشددة في المشافي الخاصة مرتفعة جداً مقارنة مع المشافي العامة، وفي حال وجود مريض يتلقى العناية في المشفى الخاص يتم التواصل مع قسم العناية في الهلال الأحمر من قِبل ذويه لمعرفة توافر منفسة وسرير عناية في الهيئة لتخفيف النفقات التي يتكفل بدفعها في المشفى الخاص.
وينوه المدير العام للهيئة العامة لمستشفى الهلال الأحمر أنه بالرغم من ارتفاع أسعار المستهلكات والمواد الطبية إلا أن الخدمات المقدمة في المشافي العامة بقيت ذاتها بالحد الأدنى من تسعيرة وزارة الصحة، وهذا سبب زيادة عدد المراجعين والمرضى ومتلقي الخدمات الطبية.
إلزام المشافي الخاصة بالتقيد بالأجور
مدير المشافي في وزارة الصحة الدكتور أحمد ضميرية يعتبر أن خروج العديد من المشافي والمراكز الصحية في مختلف المحافظات نتيجة الاعتداءات الإرهابية، دفع بالمنشآت الصحية في محافظة دمشق إلى تقديم الخدمات لكل المرضى القادمين من المحافظات، ما أدى إلى زيادة أعباء متطلبات مرضى العناية المشددة والمحتاجين إلى منفسة طبية على سبيل المثال لا الحصر، ورغم ذلك يتم تأمينها بجهود كبيرة لزوم المرضى.
ويوضح ضميرية أن الضغط الكبير على المشافي العامة سببه أيضاً تقديم الخدمات للمراجعين مجاناً أو شبه مجان وبمستويات عالية وبكل الاختصاصات، مشيراً إلى إلزام المشافي الخاصة في التقيد بالتسعيرة المحددة من قِبل وزارة الصحة، فضلاً عن المخالفة التي تردنا بخصوصها بعض الشكاوى المتعلقة في ارتفاع أجور تكاليفها، وخاصة فيما يتعلق بأجور المنفسات الطبية.
ويشير مدير المشافي في معرض حديثه إلى أن القطاع الصحي كما القطاعات الأخرى تعرض للحصار الاقتصادي والعقوبات الجائرة، ونجم عن ذلك صعوبة تأمين بعض المواد وقطع الغيار للأجهزة ما أدى إلى خروجها عن الخدمة، وهنا عند هذه الناحية نرى أن المنفسات طالها هذا الحصار الظالم، والتي كانت سابقاً قبل سنوات الأزمة تتطلب بعض الأمور الخاصة من الإجراءات الفنية والطبية لتسهيل عملية استيرادها واستجرارها.
العمل على مدار الساعة
من جهته، يقول مدير صحة ريف دمشق الدكتور ياسين نعنوس: نعمل على مدار الساعة في مشافي ريف دمشق التابعة لوزارة الصحة من أجل النهوض بالخدمات الاستشفائية والعلاجية حتى على مستوى المراكز الصحية، ومن أولويات العمل السعي إلى تزويد تلك المشافي بالعديد من الأجهزة عالية المستوى كالمنفسات الطبية، والتي للأسف العقوبات أحادية الجانب المفروضة على سورية حدّت من استيرادها، وعلى الرغم من ذلك لدينا في مشفى الزبداني 4 منفسات للكبار وللخدج منفستان، وفي مشفى القطيفة 5 منفسات للكبار وللخدج منفسة واحدة.
يوضح مدير صحة ريف دمشق إلى أن مشفى قطنا يضم منفستين للكبار ومنفسة واحدة للأطفال، فيما يضم مشفى جيرود منفستين.
تأمين التجهيزات.. يتطلب تكلفة كبيرة
الدكتورة ريم السادات مشرفة العنايات في مستشفى المواساة الجامعي تشير إلى أن إسعاف ذوي الحالات الحرجة يحتاج إلى عناية مشددة مع كافة تجهيزات العناية من منافس طبية وغيرها، وهي من ضمن أولويات عمل وأهداف المستشفى موضحة أن عدد الأسرّة في العناية المشددة كاملة في المستشفى 56 سريراً موزعة على الاختصاصات والشعب المختلفة، ودائماً نسبة الإشغال 90-100% ومع ذلك نستقبل ما نستطيع استقباله من مرضى الإسعاف الذين تحتاج حالتهم إلى عناية مشددة وتأمين منفسة لزوم العلاج والاستشفاء.
وترى الدكتورة السادات أن كثرة المرضى المحولين إلى المواساة من مشاف أخرى مثل مستشفى القطيفة الوطني ومستشفى دمشق والمشافي الخاصة يؤدي إلى زيادة الأعباء، وهنا في حال عدم وجود شاغر لا يمكن لغرفة العناية إضافة أي سرير مع منفسة لاستقبال المريض.
وتلفت مشرفة العنايات إلى أنه تم البدء بتوسعة جديدة للعناية المشددة، إذ تمت زيادة عدد أسرّة عناية الإسعاف من 4 أسرة إلى 9 أسرّة، معتبرة أن أي توسعة تحتاج إلى عمل متكامل وجهد وتكلفة كبيرة لتأمين متطلبات هذه التوسعة، إضافة إلى الوقت الذي يتطلبه البناء وتأمين التجهيزات من أسرة وجهاز مراقبة وجهاز تنفس اصطناعي وغيره من الأجهزة.
وتؤكد أن مستشفى المواساة الجامعي يقوم بتخديم شريحة كبيرة من المرضى المراجعين وتقديم كل الخدمات مجاناً دون أي مقابل، وتقريباً هو المشفى الوحيد في دمشق الذي يقدم هذه الخدمة.
رأي..
ختاماً إن حصة وزارة الصحة من الموازنة العامة للسنة المالية لعام 2020(266)مليار ليرة تم رصدها لإعادة تأهيل القطاعات الصحية العامة ومراكز الخدمات والمشافي المتضررة وبناء المستشفيات المتخصصة، بينما قيمة الخدمات الطبية التي تُقدمها المشافي الجامعية مجاناً للمرضى المراجعين سنوياً (60) مليار ليرة، والسؤال هنا: ما المانع من التركيز على منحى استجرار المنفسات المطلوبة في ضوء مئات المليارات المرصودة للقطاع الصحي..؟!!
الموضوع يحتاج إلى اهتمام المعنيين في وزارتي الصحة والتعليم العالي، مع الأخذ بعين الاعتبار أننا واجهنا خلال سنوات الحرب ظروفاً بالغة الصعوبة واستطعنا تجاوزها عبر استجرار المستلزمات الطبية من الدول الصديقة بموجب برامج التعاون المشترك والاتفاقيات الموقعة معها.
ويبقى الأهم برأينا، وضع آليات عمل وخطوط عريضة لإيجاد حل لمشكلة نقص المنفسات الطبية في المستشفيات العامة والتي تعتبر الضمانة الصحية وملاذاً للكثيرين من ذوي الدخل المحدود، ليست بحاجة إلى كثير من الانتظار والروتين، في ظل ارتفاع أجور وتكاليف الخدمات الصحية والعلاج في المشافي الخاصة التي باتت تتقاضى أجورها على هواها من دون حسيب أو رقيب.
محجوب الرقشة – عادل عبد الله
التاريخ: الجمعة 6-3-2020
الرقم: 17210