شرّع أردوغان الأبواب على مرحلة جديدة ربما تكون الأخيرة التي سوف ترسم نهاياته، ولكن بأيد تركية وطنية بعد أن أوصل ذلك الأحمق تركيا إلى حافة الجحيم بسياساته وأوهامه الاحتلالية والإخوانية والعثمانية.
لم يعد النظام التركي بعد اليوم محمياً أو ربما مدعوماً من الداخل التركي كما لا يزال يتوهم ويعتقد البعض، حيث تتسع رقعة الرفض في الجبهة الداخلية لسياساته واستراتيجياته الكارثية التي أعادت تركيا إلى زمن السلطنة العثمانية، لجهة الأطماع والكوارث التي أحدثتها داخل البلدان التي احتلتها، فأردوغان اليوم يبدو وكأنه يسير وحيداً وسط غابة مظلمة، زرعها بوحوش الإرهاب وأوهام الاحتلال والسيطرة على شعوب ودول المنطقة لنهب خيراتها وثرواتها بعد تقسيمها وتدميرها وتجزئتها.
ما شهده برلمان النظام التركي يوم الخميس الماضي انعكاس وتجسيد واضح لاتساع رقعة الرفض التركي لسياسات أردوغان وحزبه، تلك السياسات التي بدأت باحتضان ودعم وتمويل الإرهابيين وتصديرهم إلى خارج الحدود للتدمير والتخريب والقتل، وانتهت بالعدوان على الشعب السوري وإرسال الجنود الأتراك للدفاع عن التنظيمات الإرهابية في محافظة إدلب.
كذلك لم يعد رأي وصوت المعارضين لأردوغان هو العنوان الرئيس للشارع التركي، فقد بدأت مؤشرات متسارعة بالظهور داخل حزبه ومؤيديه تسلط الضوء على حالة من الحنق والرفض المتنامي والمتدحرج بشدة لسياساته، ولاسيما بعد انكشاف المزيد من الحقائق التي تتحدث عن أهدافه الشخصية من دعم الإرهاب وتمويله والعدوان على سورية، ولعل التقرير الذي نشرته صحيفة «بيرجون» التركية فتح الأبواب على مصراعيها لانتقاد رئيس النظام التركي بشكل صريح وعلني، حيث كشف التقرير عن الأرباح الهائلة التي تجنيها شركة (بايكار) لتجارة الأسلحة والتي يترأسها صهر أردوغان سلجوق بايركتار من وراء العدوان على الشعب السوري.
عودة عشرات الجنود الأتراك الذين أرسلهم أردوغان ليحموا مشروعه الإخواني ويدافعوا عن الإرهابيين، في توابيت محملة لم يشكل صفعة قوية لأردوغان فحسب، بل شكل صدمة قوية للشارع التركي بمجمله، حيث دفع هذا الجنون الكارثي لأردوغان بوابل من الأسئلة المحرجة له للصعود إلى سطح المشهد، كان أهمها وأبرزها على الإطلاق، تلك التي نكأت جراح الشعب التركي الذي لا يزال يدفع ثمن وصول حزب أردوغان إلى السلطة، من تلك الأسئلة مثلاً، عن أي شيء يدافع الجنود الأتراك خارج أرضهم؟، وما القضية التي قضوا من أجلها؟، ولاسيما أن أبناء وذوي أردوغان معفون من الالتحاق بالخدمة العسكرية ويقضون أوقاتهم في الرحلات والمتنزهات خارج تركيا.
النظام التركي لم يعد محمي الظهر، والجبهة الداخلية التي كان يتكئ عليها لتنفيذ سياساته ومشاريعه الاحتلالية والإخوانية بدأت تتصدع وتنهار بشكل مطرد، وسلوك التهديد والوعيد والتخوين والسجن والإقصاء الذي يمارسه أردوغان ضد معارضيه لم يعد يجدي نفعاً على الإطلاق، بل على العكس من ذلك تماماً، فإن هذا السلوك سوف يسرع من وتيرة الأصوات الداخلية الرافضة لسياساته، في وقت يبدو فيه الأخير في أضعف حالاته، في ضوء العزلة الخارجية التي ضيقت الخناق عليه أكثر وأكثر بعد أن تخندق حلفاؤه وشركاؤه في الإرهاب والحرب على سورية في خندق المصالح والحسابات الإستراتيجية التي كانت سبباً رئيسياً في انكفائهم مؤقتا الى الوراء وتركه وحيدا يقارع أوهامه المتورمة.
أردوغان ومنذ الانقلاب الذي كاد أن يطيح به في تموز 2016 بدأ مرحلة جديدة من التوحش والإرهاب فيما يمكن تسميته (الانقلاب على نفسه)، حيث بدأ التآكل ينهشه وبشكل سريع من الداخل، من داخل نفسه ومن داخل حزبه، وهذا الأمر تحديداً بدأ مع حملات التطهير والاعتقالات العشوائية التي شنها النظام التركي بحق معارضيه وبحق كل من يتفوه بكلمة ضد سياساته وسلوكه الإرهابي والإخواني.
أردوغان وبحسب المعطيات الداخلية والخارجية وما يضاف إليها من سلسلة الهزائم والانتكاسات التي باتت تلاحقه أينما حل وارتحل، يبدو وحيداً في طريق الخراب الذي زرعه بالألغام والإرهاب، وهذا مؤشر واضح على أنه قد دخل فعلاً مرحلة الانكفاء والانهيار المحتوم.
يبدو المشهد بوجهيه – مشهد الانتصارات المطردة التي تحققها الدولة السورية بجيشها العظيم على جبهات مدينة إدلب، ومشهد الهزائم والانكسارات والانهيارات التي تلف منظومة الإرهاب بشكل عام- قد تحول إلى كابوس مرعب يضغط على كل أطراف الإرهاب – النظام التركي والولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني،وهو الأمر الذي يضع الأمور أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول هو خيار خضوع ورضوخ أطراف الإرهاب للأمر الواقع ومن ثم تسليمهم واستسلامهم لحقائق التاريخ والجغرافيا والميدان، والتصرف وفقاً لذلك، أما الثاني فهو خيار المضي قدماً بالتصعيد الذي يشرع بدوره الأبواب أمام تداعيات كارثية تطول تلك الأطراف الإرهابية.
فؤاد الوادي
التاريخ: الأربعاء 11 – 3 – 2020
رقم العدد : 17214