سورية عمود الأرض, تسند سماء الثقافات والحضارات, وهي القلب الذي يضخ شرايين التواصل بين أجزاء الجسد المسمى عالما, لذلك كانت منذ أن وجدت محط انظار من يعرف مكانتها ودورها وقيمتها, وقدرتها على الفعل والتغيير, ما من إمبرطورية مرت عبر التاريخ إلا وحاولت أن تغزو سورية, تريدها منطلقا لها نحو أقاصي الكون, كله, لكن الحقائق تقول بكل بساطة ووضوح: لم تستطع أي قوة عاتية أن تبقى على هذه الأرض السورية الطيبة, كان السوريون جذوة النضال والعطاء والمقاومة والفعل الخلاق.
لم يتغير الأمر كثيراً, فالمحاولات التي كانت في يوم من الأيام غزواً مباشراً, تحولت اليوم إلى أشكال أخرى, أرادوا اغتيال الدور والحضارة والثقافة بألف شكل ولون, وما الحرب المجنونة من تسع سنوات علينا, وهي الإعلان المباشر لكل المحاولات السابقة, ليست إلا دليلا على ما نقوله.
سورية التي أدت الدور الثقافي والحضاري والإنساني, وحملت مشعل القضايا العربية, تعرف أنها مستهدفة وبغزو مختلف,وكان البناء الخلاق الذي أرساه التصحيح بقيادة القائد المؤسس الراحل حافظ الأسد بنية صلبة بوجه كل عدوان, وتابع القائد القومي بشار الأسد المسيرة وعزز بناءها,يد تبني وأخرى تزرع وتدافع وتعلي البناء, فغدت سورية ورشة عمل من جنوبها إلى شمالها, ومن شرقها, إلى غربها, كل بقعة فيها نهضت ونمت, وتابعت ما تم التأسيس عليه, هذاالدور المحوري الذي أرق, بل اقض مضاجع الأعداء جعلهم يعلنون حربهم المتوحشة علينا, على سورية الحضارة والثقافة والتاريخ, الشعب والقائد.
في معادلة البناء الراسخ والشامخ يظهر دور القائد الذي يمضي بالأمة إلى مرافئ النور والسلام والأمان, يعبر بالجميع إلى حيث يجب أن يكونوا, وهو الرائد والرائي الذي يعرف أن الدرب ليس معبدا إلى حيث الغايات, ينبه ويقرأ ويخطط ويرسم ويبني مع شعبه, ذلكم هو حال القائد بشار الأسد, قائد مسيرة التطوير والتحديث, هذه الرؤى والاستراتيجيات التي قرأت الواقع وتنبهت لما هو قادم, وتصدت للعدوان وانتصرت, يأتي كتاب: القائد القومي بشار الأسد الذي صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب في جزأين, الأول الذي نقف عند بعض فصوله جاء قراءة تحليلية -مفاهيمية في كلماته الجماهيرية والرسمية (الأعوام -2000- 2010).
وهو من تأليف الدكتور خلف الجراد,أما الجزء الثاني فهو من تأليف الدكتور ابراهيم ناجي علوش.
مجد النضال
قدمت للكتاب الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية ومما قالته: (مجد النضال هو المجد, والوطن هو الأعلى, وهو الجدير بكل الوان التضحيات, ودربك أيها القائد كان ابدا درب النضال وحين وجدنا أنفسنا في الحد الفاصل بين الشرف والعار, وفي جبهة المواجهة التي هي أمانة الوطن في أعناقنا, اقسمنا لها, ونحن معك أن نكون من الأوفياء حتى تتحقق أهدافنا.
ويغدو التاريخ شعلة في يدك إلى أن الدرب الجديد, درب الفداء الذي اخترت, هو الذي يقود إلى مشارف النور, حيث السحب الحمر تتوهج,وتوشح الدنيا بأرجوانية تنتمي إلى نجيع الشهادة.
كما ازحت رماد المحنة وفتحت صفحات التاريخ ليتعانق اللهب والمجد, والبسالة والشهادة, ولتستعيد الشآم سيرتها الاولى,وكان لك الدور البهي القيادي الذي رسمت به أجمل أمثولة…
ولقد آمنت إيمانا كبيرا بأهمية الفكر, اردت للنهوض المعرفي أن يتحقق, ولنهر المعارف أن يغزر ويتضخم, ناشرا على ضفتيه خضرة الوعي, ونبت الامل وقدمت الدعم الكبير للغتنا, وحملت مشعل التنوير, حتى في أحلك الظروف, ورعيت بصبر أمور الثقافة, واستعلت معك عروبة الأمة ولغتها, كما استقوت بك قوى المقاومة, على مدارات الوطن العربي. وتخلص إلى القول: كلماتك في القلب وفي الضمير, أيها القائد العظيم الفريد والمتفرد, البليغ في أفعاله وفي اقواله, الملهم والحامي لهذا الوطن وهذه الأمة التي منحته كبير عرفانها, وكبير محبتها, وثقتها بأن المستقبل أنت الباني له, وبك يتمجد ويحقق أغلى طموحاتنا, انبل اهدافنا وأمانينا).
على هذا الدفق الذي ينبض في قلب كل سوري, بنى الدكتور خلف الجراد بروح الباحث للقائد الأسد موضوعا لها, جاء الفصل الاول تحت عنوان: توطئة لتحليل المفاهيم ومقاربة المصطلحات, اما الفصل الثاني: الواقعية والوقوعية كما يراهما القائد بشار الاسد.الفصل الثالث / مصطلحات تحت المجهر -الشفافية – بين المنصب والموقع والمسؤولية.
الفصل الرابع: الهوية والبعث والعروبة وآفاق النهوض الحضاري.
أما الخامس: نظام دولي جديد أ/ عولمة راسمالية شاملة, وفي الفصل السادس: ليس إرهابا, بل مقاومة مشروعة, ليكون الفصل السابع عن الإعلام (إعلام عربي, أم إعلام متصهين ؟).
يقول السيد الرئيس بشار الاسد: (الفرز ما بين إعلام عربي وبين إعلام ناطق باللغة العربية, الإعلام العربي هو الإعلام الذي يتحدث باللغة العربية,ويتبنى القضايا العربية, أما الإعلام الناطق باللغة العربية, فهو الإعلام الذي يتبنى قضايا الاعداء والخصوم, ولكن بلغتنا العربية, وبالتالي, يساهم معهم في المعركة على اساس أنه من نفس النسيج وله مصداقية).
يقدم الجراد في الجزء الاول من الكتاب قراءة علمية ومنهجية فيما قدمه القائد بشار الاسد خلال العقد ألاول من القرن الحادي والعشرين, ويبين كيف كان الرائي الذي استشرف القادم,وعمل على التصدي لكل أهواله من خلال استراتيجيات البناء والصمود, وتفكيك كل المصطلحات التي أرادوا لها ان تغزونا, والقائد القومي بشار الاسد هو القائد: يجب علينا أن نكثف جهودنا الفكرية وفاعليتنا الثقافية والسياسية في سبيل تدعيم وجودنا القومي, وصيانة هويتنا الحضارية, من جهة والاستجابة لمنطق التطور وايقاعه السريع من جهة أخرى إذ لا تناقض بينهما على الإطلاق.
بعكس ما يحاول البعض أن يصوره / من حيث أن الانفصال عن الماضي هو طريق المستقبل, أو الانغلاق عليه هو طريق الخلاص ).
خلاصة القول
الكتاب بجزأيه الأول والثاني قراءة مهمة جدا في تاريخ سورية المعاصر, من خلال مسيرة القائد القومي بشار الاسد, ولايمكن لأي مادة صحفية أن تقدم رؤية كاملة عن الكتابين, فكلاهما مرجع علمي وتحليلي, من الضرورة بمكان أن يكون في كل مكتبة وبيت سوري.
دائرة الثقافة
التاريخ: الاثنين 16-3-2020
الرقم: 17217