على غير العادة بدت طقوس أعياد الفصح والشعانين هذا العام متشحة بالآلام والأوجاع لكنها في الوقت نفسه مملوءة بالأمل والروحانية.
الكنائس افتقدت المصلين واقتصرت الصلوات على عدد قليل من رجال الدين.
المشهد لم يحصل حتى طوال سنوات الحرب رغم تهديد القذائف والتفجيرات والحصار وكل أشكال الحروب التي استهدفت سورية والشعب السوري.
عشنا واعتدنا على أعيادنا الكثيرة الوطنية والدينية والاجتماعية.. وبتعدد الأعياد وتنوعها.
كل مناسبات الأعياد تدعو إلى المحبة والتماسك الاجتماعي ومساعدة الفقراء والمحتاجين وفعل الخير الذي لا يعرف الفرق بين الأديان. وإذا كنا في سنوات عمرنا وإلى وقت ليس ببعيد لا نعرف بين زملائنا وأصدقائنا من هو مسلم ومن هو مسيحي، إلا أن الأمر امتد مع الزمن إلى أكثر وأبعد من مراحل عمرنا الأولى، وإنني أبوح اليوم بسرّ وأنا قد تجاوزت العمر الذهبي، بعد أكثر من خمسين عاماً من عمري لم أكن أعرف أن الزميل والصديق خالد الأشهب رحمه الله (توفي في الثاني من كانون الأول ٢٠١٧) مدير التحرير في صحيفتنا “الثورة” مسيحي إلا قبل وفاته بعام واحد فقط، رغم مرور كل هذا العمر الزمني والمهني. أقول ذلك وقد لا يصدقني البعض لكن أردت أن يكون ذلك مؤشرا إضافيا على ما أريد قوله اليوم بمناسبة الأعياد، حيث نتبادل التهاني والمعايدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي ساعدت على تقديم أنواع جديدة من خلال الصور ومقاطع الفيديو، حيث اللافت الذي يحدث معي ربما يحصل مع كثيرين غيري أننا نرسل معايدات ونجري اتصالات مع أصدقاء لمعايدتهم في مواعيد لا تتطابق مع مواعيد أعيادهم.
وهذا ليس لأننا لا نعرف متى يكون عيد كل صديق من أعياد الطوائف المسيحية، وإنما هو شعور ترسخ في ثقافتنا بأن أي عيد هو مناسبة لمشاركة الجميع فيه. بمعنى أن معظمنا يعرف في الإطار العام -وليس في التفاصيل طبعاً لأننا قد ننسى تفصيلاً معيناً- نعرف أن يوم أمس الأحد كان عيد الفصح المجيد للتقويم الغربي للأرمن الأرثوذكس والسريان الكاثوليك والأرمن الكاثوليك، وقسم من الآشوريين، وهو أيضاً يوم الشعانين للتقويم الشرقي.. بينما الأحد القادم هو عيد الفصح للسريان الأرثوذكس والروم الأرثوذكس.
نعم نعرف الأعياد ومواعيدها ونعرف في كل عيد لمن نتوجه لمعايدته لكن هذا طبعنا وهذه ثقافتنا ورسالتنا الإنسانية والحضارية والوطنية التي تعلمناها في وقائع حياة الأسرة السورية الكبيرة.
حياتنا واحدة ونتنفس الهواء من جسد واحد ..
فعند المسلمين هناك عيدا الفطر والأضحى، ونحتفل بالمولد النبوي الشريف، وعند المسيحيين عيد الفصح وعيد الغطاس وعيد القيامة وأحد الشعانين وغيرها.. وتتشابه الاحتفالات بالأعياد بيننا وتتكامل اللوحة الوطنية والحضارية في زيارات العائلات، وصناعة كعك العيد وإقامة الموائد العامرة. وثمة وقائع وقصص عن الكثير من المسلمين الذين يشاركون المسيحيين فى صوم العذراء مريم عن طريق تناول وجبات مشتركة ويتبادلون التهاني والزيارات.. وهذه عادات ومظاهر تعكس الروابط الإنسانية والحضارية والوطنية التي لن يعفو عليها الزمن، وإنما يوماً بعد يوم تعززها الأسرة السورية الكبيرة الواحدة. ولذلك لم تكن غصة الأعياد هذا العام مقتصرة على طوائف معينة، وإنما أوجعتنا الكورونا جميعاً لأنها منعت الأعياد من أن تكون للجميع.. لكن الأمل كبير، ومن خلال التزام الجميع بإجراءات الوقاية أن تعود حياتنا الجميلة إلى ما كانت عليه دائماً، لتبقى كل الأعياد لكل السوريين.
الكنز – يونس خلف