هل يمكن القول إن جائحة كورونا أوقفت كل الحروب العسكرية الدائرة في المنطقة ؟
بالتأكيد نعم .. ولكن !
إن الحرب على اليمن توقفت لمدة أسبوعين فقط مع استمرار الاختراقات، وقد جوبهت بموقف شامل وحاسم لأنصار الله بوقف الحرب نهائياً شرط إنهاء أي وجود عسكري لأي دولة .
والحرب التي تُشن على سورية أصبحت في حكم المنتهية بفضل الصمود السوري ضد الترك وحلفائهم، وليس بسبب الجائحة فقط، ولم يعد بإمكان أحد أن يدعم القوى الارهابية في إدلب أو في شرق الفرات .
أما العدوان المتمادي ضد غزة فقد تأجل إلى أن تنكشف الحلول من كورونا، لكنها بالتأكيد تبقى في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية إلى أن يحين الوقت المناسب.
أما الحرب التي طالما هدد بشنها الصهيوأميركي ضد ايران والمقاومة فإننا نستطيع أن نقول إنها وإن دخلت مع أهلها في الحجر ولكن ما زالت هناك قوى مجنونة يمكن أن تقوم بأي شيء، وخاصة أن هناك معلومات بأن أميركا تحشد أساطيلها وتعزز قواعدها في الخليج لتوجيه ضربة موجعة لكل من إيران والمقاومة والعراق، منتهزة فرصة انشغال هذه الدول والقوى بمكافحة جائحة كورونا .
هنا يبقى السؤال حول انتهاز اميركا وربيبتها “اسرائيل” الفرصة قائماً ومشروعاً وإن كانت كل المعطيات الحالية تنفي ذلك وتستبعده .. لماذا ؟
هذه الفرضيات قابلة للنقاش لكن لا بدّ من التذكير أن كل الشروط غير متوافرة في كيان العدو الصهيوأميركي، فهما بالكاد يستطيعان مواجهة جائحة كورونا، وكلاهما يترنح تحت ضربات هذا الفيروس الذي سيغير العالم، وقد بدأ بعد أن فضحت الجائحة أميركا، وأظهرت هشاشة الوضع الداخلي ووحشية الإدارة الترامبية ودولتها العميقة في عملية إبادة نصف البشر الذين تعتقد أنهم باتوا يشكلون عبئاً على النصف المنتج، كما كشفت هشاشة التماسك الوطني بين الولايات وهشاشة الروابط التحالفية خاصة مع أوروبا، فضلاً عن كشفها المستوى اللاأخلاقي في التعامل مع الإنسان عامة ومع حلفائها خاصة، وتبين أن هذه الدولة التي تسمّى الولايات المتحدة الأميركية والتي تريد أن تحكم العالم وتسيطر على مقدّراته هي كيان واهن في الوضع الداخلي وعلى المستوى التحالفي والوطني والصحي والأخلاقي، وأنّ الهيبة التي أرادت أميركا أن تحكم العالم بها هي هيبة مصطنعة وكاذبة.
إن أميركا التي لها في منطقة الشرق الأوسط ما يناهز السبعين ألف عسكري منتشرين في 54 قاعدة عسكرية برية أساسية (يُضاف إليها القواعد الظرفية الصغيرة وهي كثيرة وعددها متحرّك) وأكثر من 60 قطعة بحرية موزعة على 3 أساطيل، فإنها باتت تعلم أنها لا تستطيع أن تطمئن إلى الدفاع عن وجودها هذا بشكل محكم وآمن يحقق الطمأنينة، و هذا يقودنا إلى القول إنّ التهويل بالحرب من قبل «أميركا وإسرائيل» هو عمل إعلامي نفسي يدخل في إطار الحرب النفسية غير القابلة للتحوّل إلى حرب في الميدان العسكري .
لقد سقطت الأقنعة وكشفت الحقائق وتآكلت الهيبات العسكرية في زمن يستعدّ فيه العالم للدخول في نظام ما بعد كورونا، زمن تعاد فيه صياغة التحالفات ورسم الخرائط الاستراتيجية الجديدة تسقط فيه أحلاف وتقوم أخرى، يكون انتحارياً من يقدم على حرب لا يضمن حسمها لصالحه وفوزه . وهذا ما ينطبق أيضاً على ما يردده البعض بأنه لا خيار أمام أميركا إلا بشن حرب “عالمية” على الصين.
ولهذا حديث آخر.
وإن غداً لناظره قريب
معاً على الطريق- د . عبد الحميد دشتي