الملحق الثقافي:إعداد: رشا سلوم:
مرت منذ أيام ذكرى وفاة الشاعر والفيلسوف العربي الكبير، جبران خليل جبران، وهو الذي كان يطيب له أن يطلق على نفسه السوري، ويدافع عن سورية الكبرى، وير ى أنها بمحنة من هؤلاء الذين يريدون التشفي منها، ترك آثاراً فكرية رائعة، تعاد طباعتها مئات المرات، وهي في كل بيت ومكتبة، وكتابه النبي أيقونة في الغرب. ترجمت أعماله باللغة الإنكليزية لتصدر إلى جانب أعماله العربية، وقد صدرتا بمجلدين، وكل عام تصدر عنه كتب جديدة، جمعته قصة حب خالدة مع مي زيادة. وبمناسبة مرور ذكرى وفاته هذه محطات سريعة لحياته كما روتها الكتب والمواقع:
بالرغم من أنه بدأ يعرف ككاتب أكثر منه كرسام، إلا أنه رسم أكثر من 700 صورة، على الرغم من أنه أمضى معظم حياته خارج لبنان، إلا أنه بقي مواطناً لبنانياً يملأ قلبه رغد العيش في وطنه.
ولد جبران في السادس من كانون الثاني عام 1883 في قرية قديمة في بشري التابعة لمتصرفية جبل لبنان الواقعة في وادي قاديشا شمال لبنان، في تلك الفترة كانت تلك المنطقة شبه مستقلة عن الإمبراطورية العثمانية.
كان والده سعد يوسف جبران في البداية يعمل كبائع في صيدلية عمّه، لكن خلال فترة طويلة كانت الديون والخطايا تتراكم عليه بسبب لعبه القمار حتى خسر عمله في النهاية، بعدها تم تعيينه زعيماً من قبل المدير البلدي راجي بك وقد كان قاسياً وصاحب خلق سيئ.
أما بالنسبة إلى أمه كاميلا جبران كانت قد تزوجت مرتين قبل أن تتزوج من والد جبران ليكون زوجها الثالث، كان لديها ولد من زوجها الأول وهو بيتر أكبر من خليل جبران بست سنوات، كان يعمل من أجل الأسرة بتفانٍ كبير.
بعيداً عن أخيه بيتر كان لجبران أختان وهما ماريانا وسلطانة، حيث كانتا تعيشان في قرية منعزلة في وادي قاديشا، وحياتهما تخلو من الراحة أو الرفاهية الدنيوية. لم يذهب جبران إلى المدرسة لكنه كان يتعلم العربية والكتاب المقدس من القس الذي كان يزور منزلهم.
السفر
انضمت العائلة إلى بعض الأقارب في الولايات المتحدة لتشاركهم منزلهم الواقع جنوب بوسطن- ولاية ماساتشوستس، وبينما أخذ بيتر على عاتقه تحمل أعباء الأسرة، بدأت الأم ببيع أربطة الأحذية وبعض ملابس الكتان متنقلة من منزل إلى آخر في محاولة لزيادة دخل الأسرة، فيما بعد تمكنت من فتح متجر لبيع الأغذية المجففة. وفي الثانية عشرة من عمره دخل جبران مدرسة كوينزي- الواقعة في بوسطن- في 30 أيلول 1895ِ وحتى ذلك الوقت كان يعرف بجبران خليل جبران، لكن عند تسجيله في المدرسة اختصر إلى خليل جبران.
في المدرسة وضع جبران في صف خاص بالمهاجرين، حيث تم التركيز على تعليمهم اللغة الإنكليزية، وفي نفس الوقت بدأ جبران بارتياد دينيسون هاوس سوشيال سنتر، وهي مدرسة للفنون تقع بالقرب من مكان سكنه، لاحظ معلموه مهاراته الفنية، وتم تقديم جبران إلى الناشر والمصور الفوتوغرافي “فريد هولاند داي”، مما أفضى إلى اكتشاف قابليته لتلقي الفن والأدب، وبدأ داي بتسميته “نابغة بالفطرة”.
العودة إلى لبنان
تحت إشراف داي بدأ جبران بتزيين الكتب ورسم البورتريه، في النهاية بدأ داي بتقديم جبران إلى أًصدقائه في عام 1898 تم استخدام إحدى رسوماته كغلاف لأحد الكتب، وعندما لاحظا أنه بدأ ينجذب إلى الثقافة الغربية، قررت أمه وأخاه إرساله إلى لبنان حيث سيكون بإمكانه أن يتعلم عن تراثه الشرقي أولاً، ووفقاً لذلك عاد جبران إلى بيروت حيث حصل على قبول مدرسة الحكمة، وهي مدرسة ابتدائية مارونية ومعهد للعلوم العالية. بعد إتمام تعليمه في بيروت عاد جبران إلى بوسطن في 10 أيار 1902، بعدها توفيت أخته الأصغر سلطانة بمرض السل، في عام 1903 توفي أخوه بيتر بنفس المرض وأمه بسبب السرطان، وبدعم من أخته ماريانا التي تعمل في الخياطة تابع جبران أعماله الفنية.
خلال فترة إقامته في لبنان اعتاد جبران على التواصل مع جوزفين بريستون بيبودي وهي شاعرة مشهورة كان التقاها في أحد المعارض التي أقامها معلمه ومشرفه فريد هولاند داي، وفي عام 1903 ساعدته في عرض بعض أعماله في جامعة ويلزلي- ماساتشوستس.
في 3 أيار 1904 أقام معرضه الأول في استوديو معلمه داي في بوسطن، وهنا التقى جبران بماري إليزابيث هاسكيل وهي المعروفة بمساعدتها لعدد من الناس الموهوبين، كانت تملك مدرسة ميس هاسكيل للبنات، وقد ساعدته مالياً واستخدمت نفوذها ليطور مهنته، و بالرغم من أنها كانت تكبره بعشرة أعوام إلا أنهما بقيا صديقين حتى وفاته.
في شتاء عام 1904 احترق معرض داي ودمرت أوراق جبران بالكامل، بعد ذلك أخذ جبران يكتب باللغة العربية لصالح صحيفة أخبار عربية (صحيفة المهاجر) حيث كان يحصل على دولارين مقابل كل مقالة، وحملت أولى مقالاته عنوان رؤيا.
النشر
عام 1905 نشر جبران أول أعماله “نفثة في فن الموسيقا” وقد كانت تميل إلى العاطفية والانفعالية. كانت عملاً غير ناضج عن الموسيقا، وفي الوقت نفسه بدأ يدرس الإنكليزية مع هاسكيل.
عام 1906 نشر عمله الثاني “عرائس المروج” حيث احتوى هذا الكتاب على ثلاث قصص قصيرة تمت ترجمتها فيما بعد إلى الإنكليزية تحت عدة عناوين، وفي نفس العام بدأ عموداً خاصّاً به في الصحيفة التي كان يكتب لها تحت عنوان “دمعة وابتسامة”.
نشر كتابه الثالث “الأرواح المتمردة” عام 1908 والذي تناول مجموعة من القضايا الاجتماعية مثل تحرر المرأة و التحرر من النظام الإقطاعي الذي كان سائداً في لبنان، وبسبب استياء رجال الدين من محتويات الكتاب، تمّ تهديده بأنه سوف يطرد من الكنيسة، كما انتقدت الحكومة الكتاب ومحتوياته.
في نفس العام تلقى جبران تمويلاً من هاسكيل ليسافر إلى باريس ويزيد مهاراته في الرسم الزيتي وأقلام الباستيل، وفي تلك الفترة كان متأثراً جداً بالرمزية، كما دعي للمشاركة في تقديم الرسومات للعديد من العروض المهمة، وتم قبول لوحته “خريف” من قبل الجمعية الوطنية الفرنسية للفنون الجميلة لتشارك في معرضها.
وفي تلك الفترة أثناء تواجده في باريس قام برسم سلسلة من الصور الشخصية “بورتريه” لعدد من العظماء أمثال أغسطس رودين، كما التقى مجموعة من المشاهير، على الرغم من كونه لم ينه فصوله الدراسية قام بجولة في إنكلترا قبل عودته إلى الولايات المتحدة في أواخر عام 1910.
انتقل جبران إلى نيويورك عام 1911 حيث عاش هناك ما تبقى من حياته القصيرة، بعدها بدأ بالعمل على كتابه الجديد “الأجنحة المتكسرة” والذي يتناول تحرر المرأة، ومن المعتقد أن بطل الرواية هو الكاتب نفسه.
الرابطة القلمية
في عام 1911 أسس جبران “الرابطة القلمية” وهي جمعية تعنى بتشجيع الكتاب والآداب العربية، لم تساعد هذه الجمعية الكتاب العرب فقط، وإنما ساعدت جبران نفسه بشكل كبير من خلال صلاتها وجماهيريتها.
بعد إصدار كتابه “الأجنحة المتكسرة” بدأت شهرة جبران بالانتشار، عندها أصبح واحداً من أشهر أدباء وشعراء المهجر كما بدأ يدعى بالإصلاحي.
في عام 1913 قام بتأسيس معرض كبير له وقدّم في نفس العام واحدة من أهم أعماله الفنية وهي “ذا هيرميتيج” وفي تلك الفترة تعززت مكانته ككاتب أولاً ورسام ثانياً.
بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى وجّه طلبه إلى المسلمين والمسيحيين اللبنانيين بأن يوحدوا جهودهم في محاربة العثمانيين، وكان حزيناً كونه لن يتمكن من المشاركة في هذا النضال. وبعد أن أصبح الجوع يتسبب بوفاة أكثر من 100 ألف إنسان في بيروت وجبل لبنان، بدأ جبران بجمع المال لتأمين المساعدة للحشود الجائعة، في الوقت نفسه كانت شعبيته تزداد في نيويورك، في عام 1916 أصبح أول مهاجر ينضم إلى البورد الأدبي الخاص بمجلة ذا سيفن آرتس، كانت أول أعماله الأدبية باللغة الإنكليزية تحت عنوان “مادمان”-المجنون- حيث مثلت قصة رمزية وشعرية وقد نشرت عام 1918.
وحتى عام 1920 تابع جبران الكتابة باللغتين العربية والإنكليزية ومن أشهر أعماله العربية، قصيدة المواكب عام 1919 والعواصف 1920 بالإضافة إلى البدائع والطرائف 1923 وفي نفس العام أصدر كتابه “النبي”، وعند إصدار هذا الكتاب كان جبران قد وصل إلى قمة مهنته ككاتب وأصبح شخصية مشهورة.
في تلك الفترة بدأت صحته تسوء، وحتى ذلك الوقت استمر في كتابة ونشر كل من “رمل وزبد” 1926 ومملكة الخيال وكلمات جبران (أقوال جبران) 1927، وفي نفس الوقت كان يعمل على كتابه “يسوع ابن الإنسان” حيث ضمنها كلماته وآثاره التي سجلها من عاشوا في زمنه ونشر هذا العمل عام 1928، بعدها نشر كتاباً واحداً وهو “آلهة الأرض” عام 1931 أثناء حياته، والباقي تم نشره بعد وفاته.
وفاته
في 10 نيسان 1931 وهو في الثامنة والأربعين توفي بسبب التليف الكبدي المزمن والسل في نيويورك.
هنالك العديد من الصروح التي تحيي تراث جبران كونها تحمل اسمه مثل متحف جبران في بشري، وحديقة جبران خليل جبران في بيروت، وحديقة خليل جبران التذكارية في العاصمة واشنطن، والنصب التذكاري لجبران في كوبلي سكوير في بوسطن – ماساتشوستس. وعند وفاته عنونت صحيفة نيويورك صن “مات النبي”.
التاريخ: الثلاثاء14-4-2020
رقم العدد : 994