ليس من المنطقي أن ننكر على أي إنسان حقه في أن يعيش حياته بالشكل الذي يناسبه بما لا يتعارض مع القوانين والأنظمة والأعراف والتقاليد وغيرها، كما أن استخدام أي وسيلة من وسائل التكنولوجيا المتطورة ليست حكراً على سكان المدن دون سكان الأرياف في ظل هذا الفضاء المفتوح الذي يعيشه العالم..
فبعض الدعوات التي تركز على ضرورة انصراف الفلاح إلى حياة ريفية كاملة بعيداً عن كل تطور أو رفاهية أو ترف، ووصفه بالمسترخي هي مسألة فيها الكثير من قصر النظر، حتى لو كانت تحمل في مضامينها القول بإعطاء الزراعة والأعمال الزراعية المختلفة في الأرياف كامل الوقت وكل الاهتمام خاصة في هذه الظروف التي تعيشها البلاد من حصار اقتصادي وتداعيات حرب عدوانية آثمة..
فقبل أن نذهب في مثل هذا الطرح لا بد أن نلامس متاعب الفلاح والدخول في أدق تفاصيل العملية الزراعية والأسباب التي دفعت بالعديد منهم لهجرة أراضيهم والسعي نحو أعمال أكثر دخلاً أو ربما أقل خسارة من الزراعة، مع القول بأن الزراعة كانت وما زالت وستبقى هي عماد الاقتصاد السوري بلا منازع وهي التي يجب أن تولى الاهتمام الكامل من قبل المعنيين قبل الذهاب في مسارات دعم غيرها من القطاعات التي هي بالأساس تعتمد في كلّها أو جزء منها على الزراعة..
إن القول بضرورة عودة الفلاح إلى أرضه وزراعتها، مسألة في غاية الضرورة، لكن يجب ألا ننسى أن الفلاح يحتاج لمن يخفف عنه بعض المتاعب مثل حصوله على المازوت والأسمدة والبذار والأدوية البيطرية بأقل التكاليف ومن دون عناء البحث عن بعضها في الأسواق السوداء.. وكذلك حالات الاستغلال المستمرة للسماسرة والتجار، إلى جانب الخسارات الكبيرة التي يمنى بها الفلاح بسبب استيراد منتجات زراعية (حيوانية ونباتية)..
المسألة ليست بالبساطة التي يحاول البعض إظهارها وإن كنّا نريد ازدهاراً وتطوراً ونمواً للقطاع الزراعي بكل مجالاته، فإن مراجعة بسيطة لبعض مطالب الفلاحين واستعراض همومهم ومتاعبهم من شأنها أن تعيد التوازن إلى كفة الزراعة وتضعها على عتبة الانطلاق الحقيقية…
حديث الناس – محمود ديبو