ثورة أون لاين:
شيئان لا يدومان في حياة الإنسان شبابه وقوته، ولن يستطيع الاحتفاظ بأي جزء منهما، لأن طبيعة هذه الحياة تفرض تلك المعادلة، ولهذا تدور عجلة الزمن التي لن تترك أحداً إلا وتنقله إلى محطاتها الأخرى، حتى يجد ذلك الإنسان نفسه طاعناً في السن كبيراً، وربما لا يقوى على مساعدة نفسه، بل بحاجة ماسّة لمساعدة الآخرين، الحاجة المادية والمعنوية والنفسية، وما هنالك من مساعدات لا تجعله يفكر بأنه وحيد في هذا الكون الواسع.
كثير من الأشخاص يؤمنون بأن مساعدة هؤلاء في بيوتهم، وفي الأماكن العامة والطرقات وأي موقع يلتقونهم فيه سوف يعوضهم الله سبحانه ذلك في صحتهم ومالهم وأولادهم ومستقبلهم، ولهذا يواظبون على تلك العادة، حتى لو كان ذلك على حساب وقتهم وسعادتهم وراحتهم، لأنهم يجدون الراحة بتقديم العون والمساعدة لهؤلاء الكبار، ولاسيما المعاقون منهم، وزد على ذلك عندما يعلمون حقيقة أن لمثل هؤلاء أقارب لا يعتنون بهم، ويتركونهم لمصائرهم وأقدارهم.
رحاب الشاويش أم لستة أطفال في أحد أحياء دمشق تقول: بين منزل السيدة “م-ن” وأولادها مسافة لا تتجاوز المئة متر، ولكن مع كل أسف لا يزورونها ولا يعلمون طلباتها، وتكتفي فقط براتب زوجها التقاعدي، بالإضافة إلى ما يقدمه لها أهل البر، ولهذا أجد نفسي كل يوم تقريباً بباب منزلها لأطمئن عليها، وأرتب لها منزلها، وأحضر لها بعض الحاجات من حسابها، ولو كنت قادرة على دفع ثمن تلك المتطلبات لما توانيت عن ذلك، لكن العين بصيرة واليد قصيرة
في الوقت الذي تأتي فيه إحدى “كناتها” وللمفارقة الغريبة، وتدخل ذلك المنزل، وتأخذ من عندها ما يقدمه لها الأقارب والجيران وأصحاب الأعمال الخيرة من أمامها، دون أن يرف لها جفناً.
في ركن آخر يروي البائع أحمد التلاوي إنه يترك بسطته بعد أن يستودعها جاره في العمل نحو مدة ساعة، ويذهب لمساعدة أحد الأشخاص المقعدين الذين جار عليهم الزمن، بعد أن هاجر ولده الوحيد أثناء موجة اللجوء خارج البلاد، ولم يبقَ له إلا فتاة متزوجة في محافظة أخرى، موضحاً أن مساعدة الآخرين والمعاقين رسالة يجب عليه تأديتها، حتى لو كلفه ذلك غالياً، مضيفاً ماذا لو علمت أن ما أقوم به، لا يكلفني شيئاً سوى بعض الوقت.
“خ.ح” موظف ومع أن لديه التزامات جمّة في العمل، ولم يرد ذكر اسمه، أوضح أن لأحد جيرانه عدداً من الأولاد، ولا يبعدون عنه كثيراً أيضاً، وأولئك لا يتركونه لمصيره وحسب، بل وفوق ذلك يكلفونه ببعض الأعمال الخاصة بهم، وعندما يمرض أو يتعب لا يكترثون لأمره، ولهذا أرى أن لزاماً علي رعايته، ومساعدته ونقله إلى المشفى كلما احتاج لهذا الأمر، لأن غالباً ما يتعب ويتألم نتيجة تلك الأعمال المجهدة.
مساعدة الآخرين لا تقتصر على تلك الحالات، فمنهم من يواجهون صعوبات في الطرقات والأماكن العامة، ولهذا من الضروري أن تسود ثقافة المساعدة والعون، حتى تتحول إلى ظاهرة عامة.
حسين صقر