مر بالأمس اليوم العالمي لحرية الإعلام وسط هيمنة قوية لانتشار فيروس كورونا الذي وحد اتجاهات وسائل الإعلام كلها نحو الفيروس، بحيث طغت أخباره على جميع القضايا الكبرى والنزاعات الدولية والصراعات المتعددة التي كانت أخبارها وتطوراتها تتصدر نشرات الأخبار الرئيسية، لدرجة أن أخبار سوق النفط وتهاوي أسعاره إلى حدود سلبية لم تشكل إلا حيزاً بسيطاً من اهتمام العالم، ليتراجع مباشرة إلى المؤخرة مفسحاً المجال للفيروس الميكروسكوبي بتصدر المشهد الدولي بعد عدة أشهر على اكتشاف أول حالة مرضية في مدينة ووهان الصينية، فما الجديد في دور الإعلام؟ وهل مازال يحمل الرسالة ذاتها؟ وهل يستحق العاملون فيه شرف الانتساب لهذه المهنة المقدسة ورسالتها الإنسانية الكبرى؟.
فتح فيروس كورونا الباب أمام تساؤلات واستفسارات مستجدة في مختلف القطاعات وميادين العمل والإنتاج المختلفة، بالتوازي مع توظيفه كمرض في ميادين السياسة والاقتصاد، وتحويله إلى عامل ضغط في العلاقات الدولية المتوترة ما بين الولايات المتحدة الأميركية من جانب وبين الصين وروسيا من جانب آخر.
وفي ذلك الشكل المستجد من بوادر الصراع الجديدة كان الإعلام الحامل الأول، إن لم يكن الوحيد لكل أشكال المواجهة الجديدة بما يمثل حرباً إعلامية مفتوحة تستخدم كل المعلومات العلمية والطبية وتقوم بتوظيفها بأشكال وأساليب وطرائق متباينة ومتضادة في محاولاتها لتكريس فكرة تحميل المسؤولية عن انتشار المرض للصين، تمهيداً لضغوط وعقوبات، وربما احتمالات الوصول إلى حرب اقتصادية متقدمة أو حتى حرب عسكرية.
عملت الآلة الإعلامية الغربية الاستثمارية على توظيف الكم الهائل من المعلومات العلمية والطبية والصحية الصادرة عن كبريات المستشفيات ومراكز البحوث العلمية والمخابر المتخصصة في خدمة هدف سياسي عدواني حمله الرئيس دونالد ترامب على عاتقه منذ دخوله البيت الأبيض قبل ثلاث سنوات ونصف السنة، ذلك الهدف هو السيطرة المباشرة على كل مقدرات الكون والضرب عرض الحائط بجميع الأعراف والمواثيق والاتفاقيات الدولية والاستهانة بالحلفاء والأصدقاء قبل الخصوم والأعداء.
وهنا فإن الآلة الإعلامية الغربية مضت في تكريس هذه السياسة وكأنها قدر ينبغي على العالم كله القبول به من دون نقاش أو تذمر.
ولكن بالمقابل وقف الإعلام الملتزم عند مبادئه وأخلاقياته المهنية ساعياً لكشف تضليل الآلة الإعلامية الغربية بداية وتقديم الصورة العلمية الدقيقة لحقيقة انتشار الفيروس وسبل الوقاية منه، إضافة للدخول في الحالة اليومية للوباء وتقديم التقارير العلمية الموثقة والدقيقة في ظل سيطرة فن التقرير الصحفي والتلفزيوني على بقية الفنون وتقدمها عليها جميعاً، حتى غدا العالم كله وكأنه أمام يوميات كورونية في جميع وسائل الإعلام.
وبعيداً عن المهنية والموضوعية والصدقية المفترضة في وسائل الإعلام فقد عكست الحالة الكورونية اصطفافاً إعلامياً مؤدلجاً ومنحازاً سياسياً وأخلاقياً، جانبه الأميركي والغربي لم يتخل عن غطرسته وأكاذيبه، أما الجانب الملتزم فحاول أن يلتزم بأخلاقياته عله يقدم في يوم الصحافة العالمي صورة للإعلام الصادق الذي يصطف إلى جانب الحقيقة ويقوم بدوره التثقيفي المطلوب حتى في ظل أشد الظروف صعوبة، تماماً كما الظرف الذي تعيشه سورية، ولنا في المواقف الإعلامية الإرهابية الدليل الأكبر على ما ذهبنا إليه، إذ كانت توجه الاتهامات بعدم نشر أي خبر عن إصابات وكأنهم يرون في الفيروس سلاحاً يريدون له نخر صحة أبنائنا بعد فشل مشروعاتهم الإرهابية، ما يفتح الباب واسعاً لعرض تساؤلات قوية عن دور وسائل الإعلام، ومدى التزامها بالمعايير المهنية، وهل تغيرت مهمتها، وكيف ينبغي أن يكون عملها في الأيام القادمة؟.
وأخيراً هل يمكن مقاضاة الإعلام أخلاقياً ومسلكياً ومنعه من الانفلات والتوظيف السياسي والإرهابي؟.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد