البحر يروي من جديد

الملحق الثقافي:سهير زغبور:

رافق العرب البحر منذ القدم فهم أول من مخر عبابه لينقلوا للعالم الحرف واللون، وكانت مدن الساحل السوري هي الأساس في ذلك، أوغاريت وغيرها. ومع حكايات ألف ليلة وليلة وشهرة السندباد البحري تعرفنا على ملامح أدب البحر الذي استوى نضجاً مع الكاتب الراحل حنا مينة فغدا البحر موضوعاً للرواية، ومن تجربته كبحار قدم للأدب العالمي ملاحم الرواية. من جديد على خطا الراحل حنا مينة تبدو رواية «ملح البحر» الصادرة حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، للروائية الشابة ريم صدقني. هي من مواليد حلب عام ١٩٨١، ولها العديد من النتاجات الأدبية بين الشعر والنصوص والرواية. تقع الرواية في مئتين وخمس وثلاثين صفحة من القطع المتوسط.
نرى فيها إسقاطاً للبيئة الساحلية -وتحديداً البحر – على الشخصيات والأحداث برمتها. البحر الذي كان ملهماً للكثيرين من الكتاب والأدباء، حتى تحول ماؤه إلى حبر روح واسع الطيف. فغدا أدب البحر علامة فارقة لكل من كتبه.
وهنا لا يمكن إلا أن نذكر رائد الرواية العربية حنا مينة الذي كتب البحر، فكانت (حكاية بحار، والشراع والعاصفة، والمصابيح الزرق)، وغيرها من الروايات التي بدا من خلالها غوص البحر في أعماقه واستخراجه كل تلك الدرر، ليكمل بعده العديد من الروائيين رحلات جعلت لكل حكاية سندبادها، مستثمرين ذلك الفارق الزمني لتطوير أدواتهم اللغوية، مستفيدين من تداعيات الأحداث في كل حقبة..
وهذا مانراه في رواية «ملح البحر «، حين غاصت الكاتبة في الزمن قبل عشرين عاماً، لتعود وتطفو بعد الحرب الكونية التي تعرضت لها سوريا مع كل تلك المتغيرات الطارئة على البيئة وعاداتها باستثناء البحر الذي مازال ملحه محتفظاً به (فإن فسد الملح فبأي شيء نملح؟).
تقول الكاتبة: (زمن آخر للعزلة. سفن وإبحار ورياح عواصف مجنونة، وقضبان تشحذ هممها للعودة إلى شواطئ ذاكرة السجينة المقهورة مريم).
هذا الثبات في علاقتها مع البحر، جعلها تُخلص لكل ذكرياته، تماماً كإخلاصها (لبحر) مريم الفتاة المقهورة التي عانت الذل بسبب سمعة أمها وفشل أبيها. عانت الاغتصاب والظلم والسجن وولوج المصح العقلي ثم العودة ثانية إلى السجن، لتكتب من خلف قضبانه قصة حياتها التي أرادت لها أن تُطبع وتُمثل، لتكون شاهداً على كل ما مرت به.
في رواية «ملح البحر « توكل الكاتبة مهمة الكتابة إلى السجينة مريم. اعتمدت فيها أسلوب التقسيم إلى ما يشبه الفصول، فجاءت في اثني عشر موجاً، أطلقت على كل موج «ملحاً ما». برزت من خلالها ثقافتها العامة واطلاعها على أهم المسرحيات والروايات العالمية حين كانت تقاطع كثيراً من الأحداث والشخصيات والرموز معها.
ولعل شخصية «آن سوليفان» معلمة الكاتبة «هيلين كيلر «، كانت أهم من رافق دربها خلال فترة السجن الطويلة، حين كانت تذكر معلمتها جمانة وتسحب حنانها على شريكتها «سلمى» في الزنزانة، لتجعلها أيضاً بطلة لروايتها بكل ما عانته من ظلم.
كل هذا جعلها تزداد تعلقاً «ببحر « الرجل الوحيد الذي أحبته فكان إنساناً بكل معنى الكلمة. لم يتخل عنها يوماً، ولم ينقطع عن زيارتها في السجن. كان يصطحب معه الروايات لتقرأها وتخفف عنها ظلمة السجن، إلى أن اصطحبه البحر ذات مرة فانقطعت أخباره فجأة ولم تعد تعرف عنه شيئاً. ومع ذلك لم تملّ من انتظاره، ولم تقطع الأمل بلقائه يوماً. هذا الأمل كان جرعة حياة حقن البحر روحها بها، حين ظهر لها «بحر « بملامحه التي لم تفارقها أبداً، ليعود المكان ويحتضن كل ذلك الحب والدفء من جديد، بعد مرور كل تلك السنين.
هكذا استطاعت الكاتبة أن تفك رموز البحر بصخوره وشواطئه بهدوئه وجنونه، بأسماكه الصغيرة وحيتانه، وبملحه أيضاً؛ فجاءت روايتها مغلفة بأسلوب أقرب إلى القصيدة النثرية. وكأن الكاتبة لم تشأ أن تؤجل أيّاً من دوافعها الأدبية. فتجد نفسك أمام رواية معجونة بقصيدة ووفرة من الموسيقا.
تقول الكاتبة: «ذات ليل، تعطرت بالملح، تيممت بالبوح. وجهتي أنت أيها البحر. أمسيتك بالحب. وأمسيتني بالسراب. فيما الأمواج تواصل رقصتها الماجنة. أجساد من دماء في مهب الريح».

التاريخ: الثلاثاء5-5-2020

رقم العدد :997

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة