الملحق الثقافي:الفاضل :
شهد تاريخ البشرية على مر العصور صراعاً طبقياً دامياً بين الأقوياء والضعفاء، بين الأسياد والعبيد، بين دول المركز ودول الأطراف لإخضاع الآخر واستعباده وسلب حريته وحقوقه من أجل إشباع سيكولوجية نزعة الأنا الفردية السادية.
كما شهد التاريخ صراعاً وحروباً تنافسية تدميرية بين الإمبراطوريات الاستعمارية للسيطرة على المستعمرات، ونهب الثروات، وبناء الأمجاد لإرواء النزعة العنصرية بآليات القوة والعنف والدمار.
إن فلسفة نزعة الأنا الفردية، والنزعة البيولوجية السادية، ونظرية التفوق العرقي هي فلسفة وأيديولوجية عدوانية إجرامية استعمارية نشأت مع نشوء الإمبراطوريات، وتعززت مع الإسكندر المقدوني وإمبراطوريته التي سفكت دماء شعوب الشرق الأوسط بتوجيه وتنظير أرسطو، وتجذرت مع يوليوس قيصر وأورليان ونيرون، والإمبراطوريتين الرومانية والبيزنطية اللتين استعبدتا شعوب الشرق الأوسط بتشجيع فيرجيل، وتأدلجت مع قراصنة الإمبراطوريات الأوروبية في عصر النهضة ابتداء من محاكم التفتيش، وصيد العبيد، وإبادة الهنود الحمر، وحرب الأفيون، واستعمار الشعوب وجرها للحروب الداخلية والخارجية بأباطيل المستشرقين والمفكرين أمثال (شاتو بريان، ورينان، وجون لوك،…) وسواهم، وما زالت مستمرة مع إمبراطورية القرن الأميركي التي هيمنت بعد الحرب العالمية الثانية على دول حلف الناتو، وشرعت في تدمير دول العالم الثالث التحررية للسيطرة على ثرواتها وأسواقها ومنابع البترول فيها بالقوة والعنف، وزرعت الكيان الصهيوني في فلسطين ودعمته في حروبه وجرائمه بآليات القوة التدميرية.
طمس الثقافة الإنسانية
وإن أخطر إشكالية واجهتها شعوب العالم، وما زالت تواجهها حتى اليوم هي إشكالية طمس الثقافة الإنسانية، وإشاعة الأنماط الاستهلاكية، وترسيخ العبودية الجديدة، واستخدام المثقفين والمنظرين الانتهازيين لتغليف الفكر بمفاهيم تحمل ازدواجية المعايير لتزوير الحقائق، وتضليل العقول، وترسيخ الجهل السياسي والثقافي والاقتصادي، وتبرير جرائم الأقوياء، وحقهم في إخضاع الشعوب ضمن دائرة العبودية الجديدة والتبعية المطلقة لاقتصاد السوق الليبرالي.
ونظراً لبروز هذه الإشكالية، وانتشار المثقفين المرتزقة، وشروعهم في ترويج أفكار فلاسفة الغرب العنصرية، وتجميلها دون تقييم أو تقويم، يأتي كتاب «الوجه الآخر للحرية والديمقراطية في فكر فلاسفة الغرب»، تأليف: أحمد ريّس، والصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، يأتي ليقدم عبر فصوله الثلاثة دراسة تفصيلية للموروث التاريخي لفكر فلاسفة الغرب.
يعرض هذا الكتاب في فصله الأول تاريخ الحضارة اليونانية (الإغريقية)، مع ذكر المآسي التراجيدية لهوميروس، وأفكار فلاسفة اليونان (تاليس، وفيثاغورث، وهيراقليطس، وسقراط، وأفلاطون، وأرسطو)، وفلسفتهم المادية، ونزعتهم العنصرية، وموقفهم المعادي للحرية والديمقراطية. كما يستعرض تطور النظام السياسي والاقتصادي ودستور قوانين إسبارطة وأثينا، والصراع بين الأرستقراطيين والديمقراطيين، والحروب بين اليونان والفرس، واحتلال الإسكندر المقدوني لدول الشرق الأوسط حتى أفغانستان.
ويتحدث الفصل الثاني منه عن النهضة الأوروبية، مبيناً أفكار فلاسفة الغرب وآراءهم العنصرية، وتأطيرهم للمجتمع البرجوازي، والاقتصاد الليبرالي، ودولة النخب الرأسمالية الكونية ونظامهم الحديدي الاستعماري. كما يفند مقولات بعض المنظرين الغربيين أمثال: مكيافيللي، ومارتن لوثر، وتوماس هوبز، وجون لوك، وإدموند، وآدم سميث، ونيتشه، ودريدا.. وغيرهم، ويعرض دورهم في ترسيخ المفاهيم المادية، ونظرية اجتثاث الآخر واستعباده.
ويورد المؤلف في الفصل الثالث من هذه الدراسة أفكار جان جاك روسو، وكارل ماركس، وأنطونيو غرامشي، والثورات التحريرية العالمية لترسيخ المجتمع المدني الديمقراطي الشعبي الذي يصون حرية الإنسان وحقوقه، ويحقق العدالة والمساواة، والتنمية والسلام بالمفهوم الثقافي والحضاري والإنساني.
التاريخ: الثلاثاء5-5-2020
رقم العدد :997