تجربة الأسواق الشعبية للبيع من الفلاح إلى المستهلك التي بدأنا نشهد انتشاراً أفقياً لها، هي في الحقيقة ليست جديدة كفكرة وكتطبيق عملي، ومن يتذكر الفلاحات اللواتي كن ومازلن يفترشن بعض الأرصفة في دمشق لبيع منتجاتهن، يعرف تماماً عما نتحدث، وكذلك بعض الباعة الجوالون الذين كانوا يتنقلون بين الأحياء والحارات هم أيضاً فلاحو الأرياف القريبة يأتون إلى المدينة لبيع محاصيلهم من الخضار والفاكهة وحتى الأجبان والألبان وغير ذلك..
هؤلاء كانت أسعارهم تقل بنسبة واضحة عن أسعار الأسواق الأخرى، فهم يبيعون منتجاتهم مباشرة للزبون وليس للسمسار أو تاجر سوق الهال، لذلك كان يلمس المستهلك ذلك الفرق الواضح في السعر، إلا أنه ولأسباب عديدة لم تشهد تلك التجربة التوسع الملحوظ والانتشار الواسع، ما أدى إلى تراجع حضورها في الأسواق المحلية، وبالتالي انعدام تأثيرها على الأسعار.
واليوم وبعد البحث عن حلول لظاهرة تعاظم الأسعار وارتفاعاتها المستمرة في أسواقنا المحلية، تعود هذه التجربة لتظهر ولكن بشكل يراد منه أن يكون منظماً وضمن معطيات أقرب إلى الرتابة أكثر ما تكون معطيات تتأثر بحالات فردية لأفراد فضلوا أن يبيعوا منتجاتهم بأنفسهم بعيداً عن استغلال السماسرة أو تجار أسواق الهال..
ورغم ما بدأت تحققه من نتائج على أرض الواقع، إلا أنها حتى الآن لم تستطع كسر الأسعار في باقي الأسواق بالشكل المراد لها أن تفعله، وأكثر أثر استطاعت أن تتركه هو أن ترضي المستهلكين في المحيط السكني المجاور لمكان إقامة السوق الشعبي لا أكثر، وفي هذا خير..
وما نود قوله إن مثل هذه الخطوة التي يصفها البعض بالجريئة، تحتاج إلى تقييم مستمر وخاصة أنها لاتزال في مراحلها الأولى، وذلك لتلمس نقاط ضعفها والمواضع التي يمكن أن تكون سبباً في عدم استمرارها، بحيث بدأنا نسمع عن بعض التجار الذي دخلوا تلك الأسواق مدعين أنهم فلاحون يبيعون منتجاتهم، كذلك ما بدأ البعض يشير إليه من صعوبة أو تعذر وصول بعض الفلاحين إلى تلك الأسواق بسبب البعد وارتفاع أجور النقل.. وكذلك أيضاً بالنسبة للمستهلكين الذين يقطنون في أحياء بعيدة عن مكان وجود السوق.
الأمر يبدو حماسياً واستطاع أن يحقق شيئاً ملموساً على الأرض، ولا بد من توفير كل السبل التي تزيد من فاعلية هذه التجربة وتعزز موقعها كلاعب أساسي في أسواق الخضار والفواكه وباقي المنتجات الزراعية..
حديث الناس- محمود ديبو