يتزامن الاحتفال العالمي بعيد النصر على النازية في الحرب العالمية الثانية مع أوضاع دولية معقدة وغير مستقرة تسود فيها لغة القوة والهيمنة والتفرد وتفتقد إلى التعاون الدولي لمواجهة التحديات الخطيرة التي تعصف بالعالم.
ففي ذكرى هذه الحرب التي أودت بحياة الملايين وأدت إلى دمار واسع تصر الولايات المتحدة بدعم من حلفائها على نشر رؤوس نووية في أوروبا والتهديد باستخدام السلاح النووي من غواصاتها المنتشرة حول العالم، وتوجه سهامها وتهديداتها للصين وتفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، والأخطر من ذلك تعلن الاستئثار باستثمار موارد القمر فاتحة الباب لمزيد من التوتر على الصعيد الدولي الذي قد ينفجر بحرب لا يمكن تقدير أخطارها ليس على البشرية فحسب بل على كوكب الأرض برمته.
لا تختلف النوازع العنصرية والأطماع النازية التي كانت الشرارة الأولى لاندلاع الحرب العالمية الثانية من حيث المبدأ والغاية عن السلوك السياسي لبعض الدول الغربية التي تسعى للتحكم بمصير العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة، مستخدمة كل إمكاناتها المادية والعسكرية لفرض سطوتها وتعطيل عمل كل المؤسسات الدولية إذا لم يستجيب أداؤها لما تسميه مصالحها القومية.
من المعلوم أن التداعيات الإيجابية للانتصار على النازية لم تسخّر لخدمة البشرية ولمنع تكرار مثل هذه الحروب المدمرة، بل جيرت نتائجها من قبل بعض الدول المنتصرة في السياق نفسه الذي كان يطمح إليه النظام النازي في تلك الفترة، وتم توظيف منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها لتكون الذراع الضاربة في فرض الهيمنة الغربية على العالم بأشكال توحي بالحضارة والديمقراطية، ولكنها في واقع الأمر أداة تسلط حقيقية على الشعوب، وبني العالم على أساس قطبين متصارعين لم تسعفه لحظة انكسار القطب الشرقي حيث وجدت واشنطن فرصة سانحة للاستئثار بالعالم وجعله حديقة خلفية قريبة وبعيدة لها بدلاً من أن تحول هذه اللحظة إلى فرصة لنبذ الصراعات والحروب المفتعلة والتدخلات في شؤون الدول الأخرى وتعميم لغة المصالح المشتركة وسيادة القانون الدولي.
مع الأسف لاتزال واشنطن وحلفاؤها، رغم كل المخاطر المحدقة بالعالم وتراكم عوامل التفجير في أي وقت، يزرعون الريح في كل مكان من دون أن يتحسبوا للعاصفة أو الإعصار القادم، وعلى ما يبدو فالحروب الصغيرة التي تفتعلها الدول الغربية هنا وهناك على شفا انتهاء الصلاحية وتحقيق الأهداف المبتغاة، الأمر الذي يضاعف من احتمال اشتعال الحريق الكبير من جديد، وتبقى دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في يوم النصر على النازية إلى منع المحاولات الجديدة لإثارة الخلاف بين الناس ونشر الكراهية وتذكر العواقب الخطيرة والرهيبة للحرب العالمية الثانية على العالم أجمع، من دون صدى يذكر في ظل الصدى المرتفع لاستخدام الأسلحة النووية ذات الرؤوس الصغيرة.
إن الدليل الحي على مضي العالم في الاتجاه غير الصحيح هو التفاعل الدولي لمواجهة وباء كورونا والذي أظهر خبث نوايا دعاة “القرية الصغيرة” والاقتصاد المفتوح والحدود المفتوحة والتعاون المشترك وغيرها من المصطلحات الطنانه التي انتهت فاعليتها مع أول اختبار حقيقي يواجه البشرية جمعاء.
في ذكرى الانتصار على النازية العالم يقف على مفترق طريقين لا ثالث لهما، يتجسد الأول: بالعودة للاستفادة من دروس الحرب العالمية الثانية بما يخدم شعوب العالم أجمع وليس دولاً بعينها حسب إمكانية مشاركة وتفاعل كل دولة فيه، وبالتالي استعادة السلام والأمن والكرامة للجميع،
والثاني: المضي في سياسة التسلط والهيمنة والتفرد التي نعيش إفرازاتها المختلفة والمتعددة الأوجه في أكثر من منطقة في القارات الخمس، وصولاً إلى اليوم الذي يستفيق فيه سكان المعمورة والصواريخ النووية تتساقط في كل مكان.
على النحو الذي نراه اليوم يتقدم الخيار الثاني بخطوات عديدة على الأول ويضاعف إلى ذلك مقومات هدم وتدمير وخراب جديدة تبدأ برغبة القوى المتسلطة الاحتفاظ بسلوكيات افتعال الحروب الصغيرة وتغذية الخلافات بين الشعوب والأعراق وضمن المجتمع الواحد، والرغبة في الاستحواذ والسيطرة والهيمنة والتطرف وتوظيف الإرهاب، والقائمة تطول وصولاً إلى الأسلحة النووية.
قد يسأل كثيرون: أين نحن العرب من كل ما يجري حول العالم؟ والجواب ببساطة أبعد بكثير من دفن الرأس في الرمل.
معاً على الطريق- أحمد ضوا