من الجيد أن تلفت الأمم المتحدة على لسان مفوضتها السامية لحقوق الإنسان النظر إلى استغلال التنظيمات الإرهابية وباء كورونا لتكثيف اعتداءاتها بحق المدنيين في سورية، “فأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً”، ولكن تحذيرها بأن هذا الوضع يشكل “قنبلة موقوتة” ويجب ألا يغيب عن أنظار المجتمع الدولي فيه نوع من إنكار الواقع، فهذه “القنبلة” العنقودية انفجرت منذ نحو عشر سنوات وهي عمر الحرب الإرهابية على سورية، وشظاياها لاتزال مشتعلة في ادلب والجزيرة السورية. وجزء كبير من المجتمع الدولي “أميركا ودول الغرب الاستعماري وأدواتهم الإقليمية” مسؤولون بشكل مباشر عن انفجار تلك “القنبلة”، حتى إن الأمم المتحدة نفسها، بهيئاتها ومنظماتها المتعددة تتحمل مسؤولية كبيرة عن التداعيات الكارثية الحاصلة، بتزويرها وتشويهها المتعمد للحقائق، بهدف التغطية على جرائم الإرهابيين، وإيجاد الذرائع الواهية لمواصلة استهداف الشعب السوري.
قوات الاحتلال الأميركي تمعن في جرائمها بحق المدنيين، وتقزم كثيراً أعداد ضحاياها، وتواصل دعم الإرهابيين، وتستنسخ من داعش تنظيمات وميليشيات مختلفة، وتتمادى في سرقة ثروات السوريين وتسعر إرهابها الاقتصادي بحقهم، فأين الأمم المتحدة؟ ونظام المجرم أردوغان لم يتوقف عن شن اعتداءاته على الأراضي السورية، وينقلب على كل التفاهمات والاتفاقات بشأن ادلب، ويطرد الأهالي من منازلهم وقراهم بريف الحسكة لإحلال إرهابييه مكانهم، ومرتزقته الإرهابيين يستبيحون كل المحرمات، فأين الأمم المتحدة من كل ذلك؟ والكيان الصهيوني يتمادى بعربدته لمؤازرة التنظيمات الإرهابية، فأين الأمم المتحدة، وأين هي إزاء كل الفضائح التي تلاحق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وفريقها المكون من استخبارات عدة دول في منظومة العدوان تحت مسمى “خبراء دوليون” يطمسون الحقائق ويزورون الأدلة؟!.
الأمم المتحدة بهيئاتها المختلفة لاتزال مسلوبة الإرادة بفعل الهيمنة الأميركية، رغم كل الجهود الدولية التي تقودها روسيا والصين والدول المحبة للسلام وبينها سورية من أجل تصحيح هذا الاعوجاج التاريخي، وهذه الجهود لا بد وأن تثمر في النهاية، والتخبط الأميركي الحاصل على أكثر من صعيد يشير إلى بداية خفوت سطوة الولايات المتحدة والتي تعجل بها قرارات إدارة ترامب الرعناء، فالعالم بات يدرك أكثر خطورة تلك القرارات والتصرفات على الأمن والسلم العالمي، حتى حلفاء واشنطن وأتباعها الغربيين باتوا أكثر جرأة على انتقادها، فأميركا لم تنجح بمحاولتها تزوير الحقائق المتصلة بالحرب العالمية الثانية – والتي كانت الأمم المتحدة إحدى مفرزاتها- وألمانيا كانت أول المتصدين لمحاولاتها المفضوحة لإعادة كتابه التاريخ، حتى إن الكثير من الدول الأوروبية باتت تميل لفكرة إنشاء قوة عسكرية مشتركة للتخلص من التبعية الأمنية لأميركا رغم أن هذه الفكرة متعذرة التطبيق في الوقت الراهن، كما أن عرقلة واشنطن لمشروع قرار في مجلس الأمن يطالب بـتعزيز التنسيق بين أعضاء الأمم المتحدة لمواجهة كورونا لم يثن الكثير من الدول عن استعدادها لمواصلة الجهود الدولية للقضاء على الفيروس التاجي بمعزل عن المساعدة الأميركية.
لجوء الولايات المتحدة لفرض استراتيجيتها الهدامة في ظل زحمة انشغال العالم بالتصدي لكورونا، وإدارة الأزمات الدولية – المفتعلة أميركياً – بعقلية الربح والخسارة، وما تخلفه من تداعيات أمنية واقتصادية كارثية لبلدان عديدة، ربما يكون أحد الأسباب التي تدفع الكثير من الدول للانضمام إلى المعسكر المناهض للسياسات الأميركية، الأمر الذي من شأنه زيادة الضغط على واشنطن لتغيير سياساتها التخريبية، وبالتالي تراجع نفوذها، وبروز قوى دولية صاعدة تؤمن بعالم متعدد الأقطاب، تسوده العدالة والاحترام.
بقلم أمين التحرير: ناصر منذر