الملحق الثقافي:سلام الفاضل :
لكل حدث في الطبيعة قصة، تناقلها البشر عبر الزمن، تُروى وفق ما يرتئيه الراوي، وما يناسب زمن حدوثها. بعضها سجّله أفراد رافقوا الحدث، أو روي لهم، والبعض الآخر روته الطبيعة أحياناً بما بقي منها من أثر واضح.
وأحداث الطبيعة متنوعة جداً، وقد ظلت البشرية عصوراً طويلة تبحث عن تفسير للغامض والمخيف منها، كالزلازل والبراكين. وكثيراً ما كانت تُعطى لها أجوبة غير مقنعة ولا منطقية. فسكان نيوزيلاندا الأصليون مثلاً اعتقدوا أن إله الزلازل والبراكين قد حُصر في الأرض، وأنه – طبقاً للأسطورة – ما زال يزمجر، ويلفظ النار الموجودة داخل جوف الأرض. أما «أرسطو» فقد اعتقد أن الزلازل الضعيفة تسببها الرياح الخارجة من الكهوف والمغاور الموجودة في جوف الأرض، في حين أن الزلازل الشديدة تسببها الرياح الهوجاء التي تشق طريقها إلى كهوف واسعة تحت الأرض.. وقد استمر هذا الاعتقاد نحو ألف عام.
وسكان أمريكا الأصليون كان لهم رأي آخر، إذ اعتقدوا أن الأرض محمولة على ظهر سلحفاة عملاقة، تهتز عندما تتقدم هذه السلحفاة خطوة واحدة. والصينيون أجمعوا أن التنين هو سبب الهزات الأرضية، مخالفين بذلك اعتقاد الهنود الذين آمنوا أن فيلاً ضخماً هو من كان وراءها.
إذاً، اختلفت النظريات التي وصفت الزلازل، وتعددت أوجهها وطرائق تفسيرها قديماً بين بلد وآخر، وعالم وآخر. ولعل المنطقة الواقعة شرق البحر المتوسط، أو ما يسمى الشرق الأدنى، هي إحدى أكثر مناطق العالم التي عانت من الزلازل، وقد وثّق هذه الحوادث العديد من الكتّاب في عصور مختلفة. غير أن دراسة الهزات الأرضية التي حدثت منذ بدء الزمان – سواء أكانت مسجلة أم غير مسجلة – لم تنل المنزلة الرفيعة التي يجب أن تكون فيها، ولم تخرج من تحت عباءة الأسطورة والخرافة حتى منتصف القرن الثامن عشر، حيث حفّز الزلزالان المأساويان اللذان حدثا في لشبونة عام (1755م)، ومنطقة كالابريا جنوب إيطاليا عام (1783 م) العلماء على دراسة هذه الظاهرة.
قراءة في علم الزلازل
ينقلنا كتاب اليوم، الذي يحمل عنوان (الهزات الأرضية – الزلازل)، تأليف: منذر ندور، والصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، إلى عالم الزلازل والهزات الأرضية، التي وقعت في الطبيعة، ويخصص الحديث عن الزلازل التي ضربت شرقي البحر المتوسط (شمال الصفيحة العربية).
ينسحب الكتاب على ستة فصول، يبدأ برواية تاريخية موجزة عن بعض الزلازل الكبيرة المدّمرة التي حدثت في أماكن مختلفة، وبقاع شتى من الكرة الأرضية، مع إيراد جدول بالزلازل التي حدثت في العالم خلال القرن العشرين، وتقديم موجز عن مراحل تأسيس علم الزلازل، ومكوناته، وأجهزة الرصد الزلزالي، والشدة الزلزالية.
ويعرج الكتاب بعد ذلك على الزلازل التي وقعت في سورية، والدراسات التي تمت حولها، مع تبيان التنبؤات المسبقة لحدوث هذه الهزات الأرضية، وكيفية التصرف في حال حدوثها. ثم يعرض البيانات الزلزالية المصورة (الكتالوجات) في منطقة شرقي البحر المتوسط – شمال الصفيحة العربية – التي تمتد من البحر الميت جنوباً وحتى فالق الأناضول شمالاً، يعرضها تبعاً لشدتها، ودرجة تأكيد حدوثها، وعدد الهزات الأرضية التي ضربت هذه المنطقة حتى الآن، والتي بلغت 181 هزة أرضية، حدثت ما بين عامي (1365 ق.م) و (1886م).
ويختم هذا الكتاب فصوله بعرض أخبار المؤرخين القدامى، وما ساقوه من روايات، وأحاديث عن الزلازل التي أصابت منطقة شرقي البحر المتوسط منذ سالف الأزمان.
التاريخ: الثلاثاء12-5-2020
رقم العدد :998