تبدو أهمية إحياء ذكرى النكبة ويوم القدس العالمي بوصفهما يجعلان القضية الفلسطينية حاضرة في وعي شعوب الأمة، وتسقط مقولة حكام الصهاينة: “إن الكبار سوف يتوفون، والصغار سوف ينسون”، فالمسألة لا تتعلق بالتأريخ للنكبة أو تنشيط ذاكرة وطنية وقومية بقدر ما هي حالة نقدية، وتبصّر لمستقبل فيه استعراض لمسار سبعين عاماً من الصراع، يُمكّن القارئ الموضوعي من الوقوف عند عناصر القوة والضعف في ذلك المسار، والتي يمكن إدراجها بما يلي:
أولاً – في عناصر القوة:
1ـ تمسك الشعب الفلسطيني بالأرض وعدم مغادرتها حيث تم طرد 85 بالمئة منهم، واليوم يشكل الفلسطينيون حوالي 20 بالمئة من السكان.
2- الانحياز إلى خيار المقاومة ورفض الاستسلام والحلول السياسية.
3- التركيز على البعدين العربي والإسلامي للصراع، سيما وأن العدو عمل جاهداً على فك الارتباط بين فلسطين والعرب وفلسطين والمسلمين، ولعل قيام الثورة الإسلامية في إيران، وتبنيها لقضية تحرير فلسطين في خطابها وسلوكها أعطى للصراع دينامية جديدة وشكل صداعاً ومأزقاً للصهيوني، حيث أصبحت إيران طرفاً أساسياً وفاعلاً في تضاريس الصراع، وهو ما يفسر إلى حد كبير الاستهداف الغربي للثورة الاسلامية، وهذا لا يعني طبعاً أسلمة أو تديين الصراع، فالمسألة لا تتعلق بكراهية اليهود الذين عاشوا تاريخياً بين العرب، وإنما للحركة الصهيونية بوصفها حركة عنصرية استعمارية احتلالية وتوسعية.
4- سقوط مشاريع ما سمي تسوية سياسية بسبب رفض سورية لها، ونشير هنا إلى موقف الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي رحل ولم يوقع وتمسك السيد الرئيس بشار الأسد بالنهج ذاته.
5- استمرار وتقوية محور المقاومة وتوسيعه شعبياً واقليمياً، ورفع شعار تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.
6ـ إعادة الاعتبار للبعد العالمي للقضية باعتبار قضية فلسطين قضية تحرّر وطني، وليس نزاعاً على أرض أو سلطة، وهنا يجب التركيز على دور منظمة التحرير الفلسطينية “ليس السلطة الفلسطينية في رام الله فقط” لأن ثمة شرعية لمنظمة التحرير واعتراف أممي بها على أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني.
ثانيا: في عناصر الضعف:
1- الانقسام الفلسطيني وعدم التمسك بميثاق منظمة التحرير.
2- اتباع الخيار التسووي مع العدو جعل الفلسطيني يطالب والإسرائيلي يرفض، ولا توجد آلية لإكراه الإسرائيلي على الاستجابة أو عدم تجاوز الممنوع سيما وأن الأميركي هو الضامن.
3- محاولات تحويل الصراع من صراع على أرض إلى صراع على السلطة.
4- محاولات فك الارتباط ما بين فلسطين والعالم العربي والإسلامي من خلال الحديث عن نزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين
5- دعوات التطبيع الاجتماعي والثقافي مع العدو بجعله مقبولاً شعبياً، وكسر حالة العداء معه بعد فشل أسلوب التطبيع السياسي مع مصر والأردن، والاقتصادي مع دول الخليج.
6-غياب الآلية لمواجهة الاستيطان والاعتماد على أميركا في الحل السياسي، وهي طرف في الصراع.
7- حلول السلطة الفلسطينية بدل من منظمة التحرير الفلسطينية، وتقييدها في سلطة لا تملك سيادة كاملة على الأرض، وغياب المشروع الوطني الفلسطيني والتراجع الأميركي عن فكرة الدولتين.
8- عدم توفر إرادة دولية بمواجهة إسرائيل، بل دعم لها من كل القوى الكبرى.
9- محاصرة واستهداف محور المقاومة، وإشغاله بقضايا داخلية لحرفه عن قضيته الأساسية وهي التحرير.
إن تجاوز الخيار التسووي الذي ثبت فشله، وانتهاج الخيار الأصيل وهو خيار المقاومه، هو الذي أثبت جدواه من خلال استعراض مسار الصراع، ومنعرجاته، وتضاريسه، فمع كل تناول عربي أو فلسطيني نجد تعنتاً صهيونياً، وتغوّلاً في الأرض، وانتهاكاً للحقوق، وتمادياً في العدوان، ما يستدعي الحاجة الماسة لوحدة نضالية فلسطينية متماهية مع محور المقاومة، وعلى رأسه سورية المتعافية من عدوان غادر شُنَّ عليها، ولكنه لم يستطع هزيمتها عسكرياً، أو ليّ إرادتها السياسية، فبقيت على تمسكها بثوابتها بوصفها حاملة راية المقاومة، ومشعل العروبة، ومعقد الأمل والرجاء لأبناء الأمة.
د. خلف المفتاح