ثورة أون لاين – هفاف ميهوب:
من منّا ينسى “الجذور”.. الرواية التي حصدت في سبعينيات القرن الماضي شهرتها من واقعيتها.. الواقعية التي جُسدت في مسلسلٍ حظي بمتابعة نالَ بسببها زخماً إعلامياً عالمياً أدى إلى بيعِ الرواية بملايين الدولارات، وإلى ترجمتها بكلِّ اللغات.
أيضاً، من منّا ينسى “كونتا كونتي”.. الشاب الشجاع والمقاوم للسوطِ الذي كان يُلهب ظهره، وبطل الرواية التي يحكي فيها الكاتب الأميركي “أليكس هيلي” قصة حياة جده الإفريقي..
نذكر “الجذور” لما فيه من آلامٍ ومعاناة سببهما، استعباد وإذلال الأميركي الأبيض للسودِ الذين جُلبوا من موطنهم الأصلي في إفريقيا، ليصبحوا عبيداً وعمال سخرة في الولايات الأميركية. أيضاً، لأنه جسد الحقيقة البشعة التي لا يمكن أن تزيفها أو تطمسها كل الادعاءات المدججة بوهمِ الديمقراطية والإنسانية.
نذكر “كونتا كونتي” وكيف تمّ اصطياده وأسره بطريقةٍ همجية من قِبل تجار العبيد الأوروبيين الذين قيدوا قدميه بالسلاسلِ حتى تقيّحت. أيضاً، كيف تم اقتياده، بل جرّه مع سواه من الأسرى الذين مات أكثرهم قبل أن يصلوا إلى السوق المخصص لبيعهم في أميركا..
لا شك أن ما دفعني لاستحضار “الجذور”، هو ما تقترفه أميركا من ظلمٍ واعتداءات وإجرام بحق الإنسان والإنسانية. أيضاً، ما تمارسه من اضطهاد وقتل حتى على أبناء شعبها، وهو ما أثبتته الحادثة التي اشتعلت أجواؤها بسببها، وبعد أن أقدم أحد رجال شرطتها على قتلِ رجلٍ بطريقةٍ بشعة جداً، وهو من أصول إفريقية.
في الرواية أو المسلسل، عاملوا “كونتا كونتي” كأنه حيوان مفترس، وقاموا بعد محاولاته العديدة والفاشلة للهروب من استعبادهم له، بقطع قدمه وبيعه إلى مزرعة أخرى .. إذ إنه عبد لديهم، ولا يحق له أن يرفع رأسه، أو يشتكي، أو حتى يحيا.
يتزوج “كونتا كونتي” ويُنجبُ طفلةً أسماها “كيزي” أي الخلود.. لكن، حتى اسمها استفزّ سيده الذي قام باغتصابها ومن ثمَّ، إبعادها عن والدين لم تشفع دموعهما ولا توسلاتهما، أمام إصراره على سلخها عنهم وبيعها وهي في السادسة عشرة من عمرها.
اليوم، وبعد أن تمادت العنصرية الأميركية في تفرعنها، تعود ذكريات الألم والظلم والقتل لكل الشعوب التي ستبقى أبداً ذكرى وجعها تلعنها… اليوم، ستسقط جميع أقنعتها، وستتهاوى وهي تحترق بالنارِ ذاتها التي أشعلتها.
إنها وجوهها التي ستُلهم الكتاب ومبدعي الروايات الواقعية، تدوين ما يجعل أجيالنا تشهد كما “الجذور” على حقيقتها الملغّمة بكلِّ الشرور اللاإنسانية.