الملحق الثقافي:سهير زغبور;
ألا تأتي خير من أن تأتي متاخراً. فالأشياء تموت بتقادم الوقت، ولا تستعاد حين يفوت أوان قطافها، لأن كل لذة افتراضية لن نعثر عليها حتى في الذاكرة.
لا أدري إن كان ما مررنا ونمر به من حروب وأوبئة وتردٍّ في كثير من أحوال العيش هو السبب في تغيرنا أو تراجع الكثير من عاداتنا. لكني أعرف أننا لم نعد نحن.
نحن الآن في منطقة حدودية، لا يمكن أن نعود خطوة إلى الوراء ولا أن نتقدم خطوة واحدة اجتماعياً. فما من درب باتت تصل بنا إلى حيث كنا نأمل أن نكون.
اليوم كلنا مشغول بهمومه اليومية والمعيشية والأسرية والمهنية، وهذا الانشغال جعلنا ننأى بأنفسنا عن تلك العلاقات الاجتماعية، عن حاجة الإنسان للإنسان كإنسان، تلك التشاركية هي التي تعطينا صفة البشر.
لقد وجد الأقرباء والأصدقاء والزملاء ليشعر الواحد بالآخر. هذا بحد ذاته خروج من تلك العزلة بين جدران التعب.
كلنا متعبون وكلنا نحتاج أن نسمع بعضنا أو نتكلم، لكن معايير المجتمع بكل أسف تغيرت. بات أغلبنا يميل إلى الابتعاد عن الآخرين، يغلق بابه ويتخذ ركناً مظلماً، وكأنه يخاف الضوء، يكره مواجهة الحياة، تلك الحياة التي فرضت علينا، لا نستطيع الآن انتزاعها منا، لكننا بسلبيتنا نقدم للموت أنفسنا على طبق من استسلام.
كم أتوق الى ذاك الزمن وليس ببعيد، حين كنا نجتمع كل صيف في حارتنا في القرية مع أصدقائنا وأقربائنا ونبقى لساعات، نتحدث، نضحك، وقد نبكي أيضاً.
ولا أنسى أمي حين كانت تأتي لنعود معاً إلى البيت فتنسى نفسها وتكمل السهرة معنا.
أشعر حقاً أنني نمت زمناً، واستيقظت لأرى كل شيء تغير، فتغيرت أنا أيضاً.
هكذا حقا لم نعد نحن حين ننظر في مرايا ذلك الزمن الجميل الذي لن يعود أبداً. وقد كبرنا بكل شيء عن كل شيء، وتلك الطفولة لن تعود إلا في ما تبقى من صور.
التاريخ: الثلاثاء2-6-2019
رقم العدد :1000