ثورة أون لاين -ترجمة ميساء وسوف:
أمريكا (السوداء)حزينة وغاضبة بسبب جريمة القتل الوحشي لمواطن من ذوي البشرة السمراء هو جورج فلويد على يد شرطة مينيابوليس، حيث وقعت جريمة قتل فلويد في الشهر الثالث من انتشار جائحة كورونا التي أودت بحياة أكثر من 100 ألف شخص بشكل عام في الولايات المتحدة، ما أدى هذا إلى انتفاض الجماهير في ولاية مينيسوتا فخرجت إلى الشوارع ليس فقط للمطالبة بالعدالة لفلويد وعائلته ولكن أيضاً للوقوف أمام قرون من العنف والتمييز العنصري الذي أقرته الحكومة الأمريكية.
لقد أوضحت جريمة جورج فلويد شيئاً، وهو أن كوفيد-19 ليس هو فقط الوباء الوحيد الذي يجب القضاء عليه في الولايات المتحدة بل يجب أيضاً القضاء على التمييز العنصري العرقي ضد ذوي البشرة السوداء، هذا ما بينه صديق فلويد المقرب ولاعب الدوري الأميركي للمحترفين السابق ستيفن جاكسون، عندما عبر عن حزنه العميق على هذه المأساة والجريمة الوحشية قائلاً:”يجب أن تكون لدينا القوة اللازمة للقضاء على عدوى التمييز العرقي للبيض التي تنتشر في أمريكا منذ قرون”.
إن التمييز العرقي ليس مجرد فكرة تطفو في عقول الأمريكيين البيض بل هي الهيكل الأساسي للقوة الأمريكية، إنها الدولة الإمبراطورية فلا وجود لأمريكا بدون التمييز العنصري العرقي، إن ما وصفه لينين بالهيئات الخاصة المسلحة، أو الشرطة والجيش، لا تحمي الملكية الخاصة للأثرياء في الولايات المتحدة فحسب، بل تعمل أيضاً كقوات تستخدم للقمع العنيف للأمريكيين السود الذين يعانون من التمييز العنصري في كل مكان في أمريكا.
إن أولئك الذين يصفون مناقشة موضوع التفوق العنصري للبيض بأنها “تثير وتشجع على الانقسام” لا يدركون بالتأكيد إلى أي مدى أصبحت جريمة مثل تلك التي قتل فيها جورج فلويد شائعة ومتوقعة في أي لحظة في الولايات المتحدة.
فمن بين 1004 جرائم قتل في عام 2019 ، كان عدد الجرائم المرتكبة بحق الأمريكيين السود 235 تم ارتكابها من قبل ضباط في الشرطة الأمريكية، أي حوالي جريمة قتل واحدة كل 36 ساعة. و نادراً ما يواجه ضباط الشرطة عقوبة جنائية على جرائمهم، وتنتهي معظم الحالات مع ضباط الشرطة بدون أي عقوبة على الإطلاق، وحتى الآن لم تصدر بحق أي ضابط شرطة عقوبة الإعدام بتهمة قتل أمريكي أسود، ومع ذلك فإن العشرات من السود معتقلون في سجون الولايات المتحدة في جميع أنحاء البلاد، وتم الحكم على العديد منهم بالإعدام بعد اتهامهم زوراً بقتل رجال من الشرطة الأمريكية.
إن الاحتجاج في مينابوليس يبيّن بوضوح تام كيف تقف الدولة في المجتمع الرأسمالي والإمبريالي فوق المجتمع، فقد ألقت شرطة الولاية القبض على مراسل CNN يوم 29 أيار أثناء تغطيته للأحداث والتظاهرات، وفي اليوم نفسه شوهدت طائرة بدون طيار مصممة لمطاردة ماسموهم “المتمردين السود” تحوم في سماء المدينة، كما هدد الرئيس ترامب في تغريدة له على تويتر أنه سيقوم بإرسال الجيش لإسقاط المتظاهرين “السود” .
تمت حماية التمييز العنصري من قبل الولايات المتحدة منذ إنشائها بأشكال مختلفة، وقد كتب أول رئيس ثوري لفيتنام “هو تشي مين” مقالاً عن الإعدام خارج نطاق القانون في الولايات المتحدة حيث قال: “إن العرق الأسود هو الأكثر اضطهاداً والأكثر استغلالاً على الإطلاق في تاريخ البشرية، فمن المعروف أن انتشار الرأسمالية واكتشاف العالم الجديد كانا نتيجة مباشرة لإعادة ولادة العبودية “، وقد شنت ضد الأمريكيين السود حرب قمعية كبرى فقُتل الآلاف منهم على يد تحالف من رجال الأمن البيض وقوات الأمن الوطني لضمان بقاء العمال السود بدون ممتلكات يعانون الفقر ولا يملكون أي سلطة سياسية.
إن إعدام جورج فلويد من قبل شرطة مينيسوتا هو تأكيد واضح على أن السيطرة الاجتماعية على الأمريكيين السود الفقراء هي تجارة مربحة بقدر ما هي ضرورية للحفاظ على الإمبريالية، كما أن الأمن القومي الأمريكي المبني على الظلم يمنح النظام المالي حرية التصرف بأعداد كبيرة من القوى العاملة، فالعمل في السجون ينتج أرباحاً طائلة للعديد من أكبر الشركات المتعددة الجنسيات.
وعلاوة على ذلك يؤمّن الإعدام خارج نطاق القضاء بالإضافة إلى السجن الجماعي التخلص من العمالة الزائدة التي لم يعد الرأسماليون يرون ضرورة في تمويلها من أجل عملية الإنتاج.
في عام 1951 قدم دو بوا ، وبول روبسون ، وكلوديا جونز ، وويليام باترسون ومجموعة من الثوار السود والناشطين عريضة بعنوان “نحن المسؤولون عن الإبادة الجماعية” إلى الأمم المتحدة، وقد اتهمت العريضة حكومة الولايات المتحدة بالإبادة الجماعية في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة وطالبت العريضة بحماية الأمريكيين السود بموجب القانون الدولي.
في عالم يتم فيه تشويه صورة العديد من الدول حول العالم على أساس عنصري من قبل نفس الدولة الإمبريالية الأمريكية التي قتلت جورج فلويد، توجد أدلة كثيرة على أن التضامن العالمي لتغيير ميزان القوى في الولايات المتحدة موجود فعلاً وعلى المستوى العالمي.
لقد كافحت الصين وإيران وسورية وروسيا وكوريا الديمقراطية وفنزويلا وكوبا ونيكاراغوا وغيرها الكثير من الدول ما تحاول ( الإمبراطورية الأمريكية) انتهاكه على حساب مئات الآلاف من الضحايا وعلى حساب كرامة هذه الشعوب، إن التمييز العنصري هو نظام عالمي يغذي الحروب لصالح أقلية حاكمة عنصرية صغيرة تدمر الأمم وتجردها من حقوقها من أجل خدمة مصالحها وزيادة أرباحها، وبالتالي أصبح الأمر يتطلب حركة عالمية شاملة للقضاء على القوة المؤسساتية للتمييز العنصري مرة واحدة وإلى الأبد.
وبينما يخرج عشرات الآلاف من الأمريكيين السود إلى الشارع في ولاية مينيسوتا وأماكن أخرى رداً على مقتل جورج فلويد، فإن مسألة السلطة ستطغى حتمًا على ما سيأتي بعد ذلك، فلا يمكن تحقيق العدالة لجورج فلويد وآلاف السود الذين عانوا من نفس المصير إلا من خلال التحول الحاسم في السلطة، ويقف كل من دونالد ترامب وجو بايدن ضد حق تقرير المصير للدول المضطهدة.
لقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى تدمير العمالة الأمريكية و حسب الإحصاءات فإن خمسة وعشرين بالمائة من القوى العاملة الأمريكية عاطلة عن العمل وبناءً عليه لا يمكن اعتبار الاحتجاج العفوي جريمة، بالعكس من ذلك فهو حتمي في ظل الظروف القاسية والصعبة التي سببتها الأزمة.
بقلم داني هايفونغ
المصدر American Herald Tribune