ثورة أون لاين– فاتن عادله:
الرؤساء الأميركيون لم يتوقفوا يوما عن ممارسة النهج العنصري، في سياساتهم الداخلية والخارجية، وهذه السياسة متجذرة لدى جميع المسؤولين الأميركيين أيضاً، واحتجاجات الشعب الأميركي اليوم التي تقارب إكمال أسبوعها الثاني رداً على جريمة الشرطة الأميركية العنصرية بخنق مواطن أميركي من أصل افريقي، كشفت أكثر حقيقة الرؤساء والمسؤولين الأميركيين الذين اتخذوا من تلك الاحتجاجات منصة لتصفية الحسابات فيما بينهم، بعيدا عن كل المعايير الإنسانية والأخلاقية، حيث لم يروا بتلك الاحتجاجات سوى أنها تشكل تربة خصبة لاستثمارهم السياسي والانتخابي فقط، أما العمل على إنصاف السكان الملونين، وإقرار حقوقهم المشروعة، وإحقاق العدالة لضحايا العنصرية، ليست على قائمة اهتماماتهم، وحديثهم عنها هو للاستهلاك الإعلامي لا غير.
فجريمة مينيابوليس العنصرية وتهديد ترامب للمحتجين باستخدام القوة العسكرية فتح باب الصراع السياسي بشكل أقوى، في سابقة ربما لم تشهدها أميركا من قبل، حيث حول البلاد حالياً إلى ساحة معارك من التصريحات الانتقامية، وهو ما بدا واضحا خلال شن وزير الحرب الأميركي السابق جيمس ماتيس أول انتقاد لاذع ضد ترامب يتهمه بالسعي إلى “تقسيم” الولايات المتّحدة.
ماتيس الذي هاجم ترامب بقوة قال بأن الأخير لا يحاول توحيد الأميركيين، بل إنه حتّى لا يدّعي بأنّه يحاول فعل ذلك.. وبأنه يحاول تقسيم الأميركيين، وهذا الكلام ليس بدافع من التضامن مع المحتجين وإنما هو في الحقيقة رد انتقامي بسبب إقالته من منصبه قبل عامين، ولا سيما أن ماتيس يعد من الشخصيات العسكرية الأكثر عنصرية، ولطالما دافع عن سياسة الحروب الخارجية التي تشنها بلاده ضد الدول الأخرى.
وفي تصريحه الذي نشرته مجلة “ذي أتلانتيك” على موقعها الإلكتروني أبدى ماتيس امتعاضه من سياسة ترامب عندما قال: إن الكيل قد طفح، إذ يدفع الأميركيون عواقب ثلاث سنوات من غياب القيادة الناضجة، وتحدث أيضا عن إساءة استخدام السلطة التنفيذية، وقال: إن اعتماد مسار جديد وحده كفيل بتمكين أميركا أن تعود دولة تحظى بالاحترام والتقدير سواء في الداخل أم في الخارج، علما أن ماتيس أمضى سنوات طويلة في السلطة، وسياساته العنصرية لم تختلف أبدا عن سياسات باقي المسؤولين الأميركيين.
ترامب لم يوفر الفرصة أيضاً للرد عليه فأرسل تغريدة وصف فيها ماتيس بأنه الجنرال الذي يحظى بأكثر تقدير مبالغ به في العالم وبأنه “كلب مسعور” معبراً عن سعادته لأنه غادر منصبه، ليظهر بذلك حجم المهاترات بين المسؤولين الأميركيين على إيقاع عمليات القتل والاعتقالات التعسفية بحق المحتجين الغاضبين على سياسة التمييز العنصري.
نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي هي الأخرى حاولت الرد على إهانات ترامب لها والتعبير بشكل آخر عن استيائها من سوء إدارته للبلاد وكذلك إفلاته من العقاب، من خلال استثمارها تلك الاحتجاجات عبر مشاركتها فيها خارج مبنى الكونغرس، فظهرت في مقطع فيديو، وهي تتجول خارجه لكنها محاطة بجهاز أمني كبير بينما كانت تلوح للمتظاهرين، وكأنها تظهر نوعا من التعاطف غير المعهود لهم، فهي جزء من السلطة والتركيبة السياسية في أميركا، ولا تهتم للأوضاع المزرية التي يعيشها المواطنون الأميركيون من أصل إفريقي، وإنما همها ينحصر فقط في كيفية جذبهم عبر الخداع والتضليل كي يصوتوا لمرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية القادمة.
الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما هو الآخر اعتبر مقتل فلويد فرصة له للانتقام من إساءات ترامب له والظهور بمظهر أفضل من السابق، بعد أن رحب بـ “تغيير العقلية” لدى المتظاهرين الأميركيين ضد العنصرية والعنف الذي تمارسه الشرطة، معتبرا أنه قد يؤدي إلى إصلاحات على المستوى الوطني، فحث سلطات الولايات والسلطات المحلية على مراجعة سياستها بشأن استخدام القوة، في أول رد فعل له منذ مقتل فلويد، مع العلم أن جرائم العنصرية بعهد أوباما تضاعفت عدة مرات عن عهود سابقيه من الرؤساء الأميركيين، ولم يطرأ بعهده أي إصلاحات للقوانين الأميركية الخاصة باحترام حقوق الإنسان في الولايات المتحدة.
حتى أن وزير الحرب الأميركي الحالي مارك اسبر سرعان ما تراجع عن قراره بسحب قوات الحرس الوطني من العاصمة واشنطن، بعدما حاول أن يلمع صورته الإنسانية لحظة إصداره قرار سحب تلك القوات قبل أن يتراجع عنه إرضاء لعنصرية رئيسه ترامب.