ثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
لا يختلف متابعان للوضع في المنطقة عموماً ــ مع بعض الاستثناءات القليلة ــ بأن النظام الرسمي العربي هو في أزمة حقيقية تشبه نكسة حزيران إن لم تكن أشد هولاً وتعقيداً، بسبب الخلافات البينية والأزمات التي تعصف بكل بلد على حده، ونتيجة لإقامة بعض الأنظمة علاقات تعاون وتحالف مشبوهة مع الكيان الصهيوني الذي لعب إنشاؤه غير الشرعي في منطقتنا دوراً بارزاً في شرذمة الأمة وزيادة ضعفها وتمزقها، بحيث بات البعض منهم أقرب للعدو من الشقيق، كما هي حالة النظامين القطري والسعودي على سبيل المثال، ما يساعد الكيان الصهيوني على المضي قدماً في مخططاته العدوانية لضم الضفة الغربية واستكمال “صفقة القرن” التي تحاول تصفية قضية فلسطين نهائياً وسرقة القدس المحتلة وتهجير ما تبقى من الشعب الفلسطيني الصامد في أرضه، وصولاً إلى إقامة الكيان الصهيوني العنصري على كامل فلسطين التاريخية وكذلك الجولان العربي السوري المحتل.
وفي هذه الأيام إذ تمر الذكرى الثالثة والخمسون لحرب حزيران الغادرة المسماة بالنكسة، يحاول الكيان الصهيوني الاستفادة ما أمكنه من الدعم الأميركي اللامحدود والاستثمار في الحالة العربية البائسة التي تشكل أفضل فرص الكيان الغاصب لفرض مخططاته العدوانية بأقل الخسائر، من أجل الاحتفاظ بما احتله في عدوان حزيران، ولاسيما أن بعض العرب اليوم منخرطون حتى العظم في تسهيل “الصفقة الخبيثة” بل إن البعض منهم يدفع أثمانها بسخاء انصياعا لرغبات الإدارة الأميركية المنحازة بالمطلق إلى جانب المحتل الغاشم.
وبعيداً عن اللاءات العربية الثلاث “لا صلح لا اعتراف ولا تفاوض” التي تمخضت عنها قمة الخرطوم آنذاك بعد عدوان حزيران والتي أصبحت هذه الأيام مجرد شعارات فضفاضة لا قيمة لها عند معظم العرب الرسميين لا الشعوب، مازالت سورية رغم جراحها الكثيرة ورغم حرب التسع سنوات القاسية التي شُنت عليها متمسكة بهذه القضية بكل قوة، ومصممة على استعادة الجولان المحتل بكل الوسائل الممكنة، ودعم قضية الشعب الفلسطيني حتى ينال كامل حقوقه المشروعة، ورغم كل التطورات الخطيرة التي عصفت بالمنطقة لم تتخل سورية ومحورها المقاوم عن هذه القضية المحقة، لأنها تدرك تمام الإدراك أنها جوهر وسبب كل المشكلات التي تحدث في المنطقة، ولهذا السبب صممت سورية على محو عار النكسة بحرب تحريرية مجيدة عام 1973 وتبني قضية المقاومة الشعبية لأنها رد الفعل الطبيعي والمنطقي والموازن للعدوان، وخاصة في ظل اختلال موازين القوى العسكرية والمادية، وكثرة الداعمين للكيان المحتل من قبل الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.
وقد استطاعت سورية فعلياً أن تمحو النكسة وتعيد للعرب كرامتهم وعزتهم وأمجادهم بعد أن أسقطت بالتعاون مع الشقيقة مصر أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي تم الترويج له كثيراً بأنه لا يقهر، ولقنته درسا لن ينساه، ولا حقا تكفلت فصائل وحركات المقاومة العربية المدعومة من قبل سورية والجمهورية الإسلامية في إيران بهزيمة الجيش الإسرائيلي، وهذا لم يكن بحسبان العدو، حيث تمكنت المقاومة الوطنية اللبنانية الشريفة من تحقيق الانتصار على الكيان الصهيوني أكثر من مرة، وإجباره على الانسحاب والفرار دون قيد أو شرط رغم فارق الإمكانات العسكرية والدعم المقدم لكل طرف، وهو ما جعل متزعمو الكيان السياسيين والعسكريين ينشغلون لأول مرة منذ إنشائه بأسئلة مزعجة حول المستقبل والمصير.
واليوم مرة جديدة تحمل سورية على عاتقها محو عار النكسات العربية المتتالية التي تسبب بها ما يسمى “الربيع العربي” حيث يشكل انتصارها على محور العدوان والإرهاب أكبر صفعة لكيان الاحتلال الذي كان يحلم بسقوط سورية وتخليها عن قضيتها الأساسية، غير أن أحلامه تبخرت بعد تنامي دور محور المقاومة في المنطقة، وتحوله إلى قوة إقليمية يحسب لها ألف حساب، الأمر الذي عطل “صفقة القرن” وأعاد مخاوف حكام الكيان الصهيوني إلى سابق عهدهم بشأن الوجود والمصير