قد لا يحتاج الأمر للكثير من المصفوفات وقواعد البيانات، لتبيان حجم الضرر الذي أصاب الزراعة نتيجة الإهمال الذي لحق بها على مدى السنوات الماضية، ولمعرفة كم لدينا من مساحات غير مستثمرة هجرها أصحابها بعد أن تحولت زراعتها إلى عبء ثقيل عليهم، في وقت كانت فيه هي سبب حياتهم واستقرارهم الاجتماعي والاقتصادي..
فالأسباب الحقيقية لم تعد خافية على أحد، وهي تتكرر في كل مطالبة أو لقاء مع المعنيين ومنذ سنوات يعلم الجميع أن الفلاح يعاني الكثير من ارتفاع مستلزمات الإنتاج الزراعي (الحيواني والنباتي)، وتحكم بعض السماسرة بها، إلى جانب الأسباب المتعلقة بعدم توفر الطرق الزراعية الضرورية لوصول الفلاحين إلى أراضيهم، وتأخر الكثير من المعاملات والطلبات التي ترتبط بملكيات الأراضي وتأثرها بقانون الحراج، وعجز الفلاحين عن استثمار أراضيهم إلى جانب عدم توفر المصادر المائية لسقاية المزروعات، ونقص الآلات الزراعية والأسمدة والأدوية والأعلاف و..
بالمقابل لم تحظَ بعض المشاريع الزراعية التي تم الإعلان عنها بالاهتمام المطلوب، مثل مشروع تطوير سهل الغاب الذي تعثر منذ سنوات وحتى الآن ما يزال ينتظر مبادرات المعنيين، ومشاريع أخرى كمشروع تنمية الثروة الحيوانية، وتنمية الثروة السمكية، والأعلاف وغيرها.
يعول اليوم على إستراتيجية تنموية للزراعة تستنفر كل الجهود والطاقات لتقديم كل ما يلزم لوضعها على السكة الصحيحة، والعمل على معالجة كل ما تواجهه من متاعب ومشكلات، والعودة إلى الأراضي المهجورة لاستثمارها من جديد وزيادة حجم الإنتاج الزراعي.
ينتظر الكثير من هذه الهمة العالية التي أظهرها المعنيون في إعادة إنعاش القطاع الزراعي، وهو اليوم يعاني ما يعانيه من مصاعب أربكت الفلاحين والمربين على مدى سنوات طويلة، وفرضت عليهم خيارين أحلاهما مر، إما الاستمرار بالعمل رغم الخسارات التي يتكبدوها نتيجة ارتفاع التكاليف، أو العزوف عن العمل وهجر الأراضي وإغلاق منشآت تربية الدواجن والمواشي..
نتمنى تحقيق الإنجاز الذي يعيد الزراعة إلى دورها الحقيقي في توفير الأمن الغذائي للبلاد، وتعزيز صمودنا في مواجهة تداعيات الحصار الاقتصادي، والعقوبات التي تلوح بها دول العدوان تحت ما يسمى قانون قيصر.
حديث الناس- محمود ديبو