في خطوة قد يعتبرها البعض متأخرة أطلق رئيس الحكومة مشروع الإستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعية في سورية بمرحلتيها السريعة والإستراتيجية على أن تبدأ بتنمية سهل الغاب الذي عانى خلال العقود الماضية من معالجات خاطئة وفساد، وأتى الإرهاب ليدمر كل ما سخت الدولة به لهذه المنطقة الحيوية.
الكثير من الخبراء المائيين والزراعيين اعتبروا أن الحكومات المتعاقبة ارتكبت خطأين جسيمين بحق سهل الغاب الذي كان جزءاً منه مستنقعاً تم تجفيفه.
الأول: هو تجفيف الجزء الذي كان مستنقعاً في هذا السهل لكسب مزيد من الأراضي الزراعية، ولكن هذا الإجراء أدى مع تراكم السنوات إلى نضوب المياه الجوفية في السهل وشمال شرق جنوب حماة، وصولاً إلى منطقة السلمية والصبورة، ما أدى الى خسارة زراعة آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة تزيد بكثير عن المساحة التي تم كسبها بعد التجفيف، كما أدى ذلك إلى خسارة الثروة السمكية التي كان ينتجها هذا المستنقع.
الثاني: يتلخص في الإهمال الذي استشرى في الأدوات الإدارية والفنية لإدارة وتطوير سهل الغاب وفقاً لرؤية الدولة والتي لو تحققت لكان الإنتاج الزراعي ومكمله الصناعي يدر أرباحاً طائلة على الفلاحين والدولة معاً.
يعتقد البعض أن العودة لاستعادة الماضي من شأنه بث الإحباط ووضع العصي في العجلات، ونحن نرى أن الاستفادة من دروس الماضي ومن جوانب النجاح والفشل التي رافقتها كفيلة بتلافي الأخطاء والثغرات، والأهم من ذلك الفساد في إنجاز وتطبيق أي إستراتيجية جديدة لإعادة الإنتاج في سهل الغاب وتطويره، بما يعزز صمود البلد في وجه الضغوط الاقتصادية والسياسية.
إن اختيار الحكومة سهل الغاب ليكون منطلقاً لمشروع الإستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعية في سورية يحمل بعدين إيجابيين يسجلان لها الأول: هو الموقع الجغرافي للسهل والذي يغطي الحركة المباشرة لسبع محافظات، ويحقق التواصل بين الساحل والداخل، والثاني سهولة وإمكانية تحقيق نتائج سريعة على مستوى الإنتاج في حال بدء العمل بالمرحلة السريعة للخطة من دون تأخير، مقرونة باختيار الإدارة الكفوءة والنزيهة التي تضع نصب عينيها إعادة ثقة المواطن بالخطط الحكومية، وبالتالي دفعه للتفاعل معها، ومن دون ذلك لن يكتب لهذه الإستراتيجية أو غيرها النجاح.
في 16/6/ 2005 صدر القانون رقم 20 بإحداث الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب لتحل محل المؤسسة العامة لإدارة وتنظيم استثمار الغاب ومديرية الزراعة والإصلاح الزراعي، وغطى القانون في حينه الثغرات التي كانت تعرقل إنجاز المشاريع، ولكن على الأرض تواصلت معاناة الفلاحين لأسباب كثيرة منها ما هو مرتبط بأداء الهيئة الجديدة، والآخر مرتبط بقرارات حكومية ضربت عرض الحائط بدعم القطاع الزراعي، مضافاً إليها الشح في المياه الجوفية، ليأتي الإرهاب لاحقاً ليدمر ما تبقى من بنى تحتية للري من قنوات ومعدات وغيرها.
إن الانطلاق الذي يضمن نجاح الإستراتيجية الجديدة مرهون بتحقق أربعة شروط أساسية:
الأول: إعادة النظر بالهيئة إدارياً وفنياً وترميم حاجاتها من الكوادر ذات (الخبرة الزراعية والفنية) العالية وليس (الواسطة القوية).
الثاني: المراجعة السريعة لكل القرارات الحكومية المجحفة التي اتخذت بحق القطاع الزراعي والعمل على مواكبتها بما يحقق إنجاز الإستراتيجية بشقيها على مستوى الوطن.
والثالث: مراجعة سلة المزروعات والصناعات المرافقة لها والتغييرات والإمكانات الطبيعية التي طرأت خلال العقدين الماضيين، بالتعاون مع الوسط الأهلي والمزارعين والجمعيات المعنية، بما يحقق المصلحة الوطنية بشكل عام ومصلحة الفلاحين بشكل خاص، ويمكن هذا السياق تقسيم السهل إلى قطاعات زراعية وحيوانية تفي بنجاح إستراتيجية في التنمية الزراعية.
الرابع: البدء بجدية عالية في تنفيذ المرحلة السريعة بالتركيز على الجوانب التي تحقق نتائج إيجابية تسهم تدريجياً في مواجهة التحديات التي ترتبها العقوبات الاقتصادية على الاقتصاد الوطني، وتحدث في الوقت نفسه صدمة لدى الفلاحين في سهل الغاب ليتفاعلوا مع الخطة بإرادة وتصميم، ويجب هنا على الحكومة أن تأخذ بيدهم في البداية بعد الخسائر التي تكبدوها من جراء الإرهاب الذي طال المنطقة بكل جوانبها الزراعية والحيوانية والمائية على مدى نحو سبع سنوات.
بعد إطلاق الإستراتيجية بساعات قليلة بدأ الهجوم عليها من البعض في وسائل التواصل الاجتماعي والتقليل من أهميتها، وأن الحكومة طرحتها أملاً بضمان البقاء بعد الانتخابات التشريعية القادمة، وغير ذلك من المصطلحات والاتهامات التي يحمل بعضها بعداً عدائياً مرتبطاً بالمشروع العدواني على سورية، الذي يقلل من أهمية إنجازات الدولة وفي مقدمتها الانتصارات العسكرية التي لولاها ما كان بإمكان الحكومة طرح مثل هذه الإستراتيجية. لا شك أن الآراء تتضارب بهذا الخصوص، ومن طبيعة العمل الحكومي ارتكاب الأخطاء والتقصير ومعالجة ذلك أيضاً، ولكن السؤال الذي يطرح على المحبطين واليائسين والفاقدين الثقة والمحقين في آرائهم الموضوعية: ما هو بديلكم؟ وما هي اقتراحاتكم؟ قد تكون الحكومات المتعاقبة تأخرت وهو كذلك وعليها أن تشرح لماذا، ولكن لن يغفر لها أحد إذا لم تبادر لمعالجة الخلل والضعف وخاصة في هذه المرحلة.
إن الرد الحكومي على كل ذلك يجب أن يكون سريعاً ومقترناً بالبدء بتنفيذ الإستراتيجية، وأن يلمس المواطن نتائجها الإدارية والإنتاجية قولاً وفعلاً، فهذا هو الكفيل بتحويل آراء البعض إلى عوامل مساعدة لتحسين أداء المؤسسات والحكومة.
يحاول أعداء سورية تعويض خسائرهم وفشلهم على مستوى الميدان بوسائل الضغط الاقتصادية على الشعب السوري وكان آخرها قانون قيصر، ويعد الحفاظ على الأمن الغذائي من أهم عوامل مواجهة هذه الضغوط، ومن هنا تكمن أهمية الإسراع باستثمار سهل الغاب في هذا السياق بغض النظر عن تأخر الحكومة في طرح إستراتيجيتها الزراعية من عدمه.
معاً على الطريق- أحمد ضوا