ثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
لأكثر من قرنين من الزمان، كانت أمريكا الدولة التي تعتبر نفسها ممثلة عن الحرية، وهي في الواقع عكس ذلك تماماً، إنها مركز الوحشية والإرهاب.
قامت الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ نشأتها، ومن أجل إفساح المجال للمستوطنين الأوروبيين العنصريين وممارساتهم الوحشية، بتصفية السكان المحليين في القارة بشكل ممنهج، من خلال ما يمكن وصفه بأنه واحد من أكثر أساليب الإبادة الجماعية فظاعة في تاريخ البشرية.
عندما أراد ذوي البشرة البيضاء الأرض أخذوها، كما حصل في أمريكا الشمالية وفي كل مكان في العالم، فيما يعرف الآن بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم قتل الملايين من السكان الأصليين، أو أصيبوا بأمراض قاتلة عن قصد أو تمت إبادتهم بطرق مختلفة، وجراء ذلك اختفت الغالبية العظمى من أصحاب الأرض الأصليين والشرعيين.
في “أرض الحرية” قامت القوى الاستعمارية الأوروبية حرفياً باستعباد البشر وجمعهم من جميع أنحاء القارة الأفريقية، وتمّ تكديسهم في السفن مثل “الحيوانات”، من أجل تلبية الطلب على العمالة الحرة في مزارع البلاد المكتشفة الجديدة أي في أمريكا الشمالية والجنوبية، ومن أجل ذلك تعاونت الدول الاستعمارية الأوروبية يداً بيد في ارتكاب أفظع الجرائم في جميع أنحاء العالم.
كيف نشأت الولايات المتحدة ؟ هل جرب أحد ما أن يسأل أو يبحث عن جذور نشأتها؟، الإجابة على هذا السؤال بسيطة جداً: الولايات المتحدة هي في الأساس ذرية سامة للثقافة الاستعمارية الأوروبية العنصرية والبربرية المتوحشة.
بمعنى آخر وبوضوح أكثر تبيّن الحقائق بأن أجزاء كبيرة من الولايات المتحدة شيدت على أغلال العبودية، فقد تعرّض العبيد الذين تم جلبهم من إفريقيا للإذلال والاغتصاب والتعذيب والقتل، وتمت كتابة الفصول الأولى من تاريخ هذه البلاد بكل وحشية وعنصرية، الولايات المتحدة هي بلد الحرية فقط لأصحاب البشرة البيضاء !!
لا عجب أن الإنسانية أصبحت شديدة الانحراف وانعدمت الأخلاق، فأمريكا قضت على الغالبية العظمى من سكانها وأبنائها الأصليين، وأصبحت دولة غنية وثرية بفضل السرقة والقتل الجماعي والعبودية لتأتي بعد ذلك الشركات الكبرى وتمارس أنظمة أشبه بالعبودية والديكتاتورية.
وفي نهاية المطاف لم تبق ممارسة الوحشية والعنصرية حكراً على أراضي الولايات المتحدة بل امتدت إلى جميع أنحاء العالم، فمنذ عدة عقود حتى الآن تعاملت الولايات المتحدة مع شعوب العالم كله على أنهم عبيد، تشن الحروب المستمرة، وتحتل الدول، وتقوم بالانقلابات والاغتيالات المنتظمة للقادة التقدميين، فضلاً عن النهب الشامل لموارد و ثروات البلدان الأخرى في شتى أنحاء العالم، وتم قتل مئات الملايين من الناس على مذبح الولايات المتحدة البشع تحت مبررات كاذبة مثل “الحرية” و “الديمقراطية”.
الحرية والديمقراطية؟، حقاً؟. في أرض “الحرية” هذه تم منذ أيام ارتكاب جريمة قتل وبدم بارد لرجل تهمته الوحيدة أنه يملك بشرة سمراء وتم سحق رقبته من ركبة شرطي لا يرحم، وانفجرت البلاد بمئات الآلاف من المتظاهرين والناشطين المؤيدين للديمقراطية، يملؤون شوارع مينيابوليس وواشنطن العاصمة ومدينة نيويورك وأتلانتا ولوس أنجلوس ومدن أمريكية أخرى.
إن وفاة جورج فلويد ذو البشرة السمراء، هي في الواقع رمز، فكل يوم تقريباً يتم قتل السود وبأبشع الطرق وأكثرها وحشية، فحسب الإحصائيات منذ كانون الثاني 2015 وحتى الآن تم إطلاق النار على 1250 مواطناً أمريكياً من أصل أفريقي على أيدي الشرطة في الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا ليس كل شيء في الواقع، فقد أصبح العالم بأسره أشبه بسجن ضخم، إذ يتم الآن مراقبة جميع البلدان على هذا الكوكب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا تجرأت إحدى هذه البلدان على الاحتجاج يكون ما ينتظرها هو عقوبات كبيرة، عسكرية واقتصادية وفرض العديد من أساليب التأديب بدون أي رحمة.
من خلال استخدامها لوسائل الإعلام والدعاية الخاصة بها يتم تعريف الدولة العنصرية التي تسيء معاملة شعبها، وكذلك العالم بأسره، على أنها “حرة” و “ديمقراطية”، أما تلك الدول التي تدافع عن شعوبها و ثرواتها ضد الاملاءات الوحشية للإمبراطورية الاستعمارية، فإنها تتعرض للإهانة ويطلق عليها تسميات مثل “الأنظمة” أو “الديكتاتوريات”.
لقد أطلق اغتيال جورج فلويد العنان للمقاومة الشعبية وفتح الأعين على الممارسات القمعية والعنصرية ضد غالبية الشعب الأمريكي، في الولايات المتحدة الأمريكيون من أصل أفريقي، والأمريكيون الأصليون وغيرهم من الأشخاص المضطهدين هم إخوة وأخوات للشعوب في جميع أنحاء العالم الذين تستعمرهم وتقتلهم وحشية الإمبراطورية الأمريكية الاستعمارية.
وقد يكون هذا بداية موجة جديدة من النضال من أجل التحرر العالمي من سطوة العنصرية الأمريكية، والآن أصبح بإمكان الكثير من الأشخاص أن يروا أخيراً ما كنا نراه منذ سنوات: العالم بأسره يختنق بسبب الحذاء الأمريكي على عنقه،