كنّا مجموعة من الكتّاب ومديري الهيئة العامة السورية للكتاب نتبادل الحوار حول حقوق ملكيّة الكتب التي توافق الهيئة على تبنّيها، وكانت الجلسةُ احتفاليّة إلى حدٍّ بعيد، فقد قرأتُ على المجتمعين قرار رئاسة مجلس الوزراء رقم/871/ القاضي بتعديل “تَعرِفة” الكلمة في الأجناس الأدبيّة والثقافية المختلفة، فالكلمة في الشِعرِ مثلاً أصبحت (15 ليرة سورية) وفي المسرح والقصة وأدب الطفل (12 ليرة…) وما إلى ذلك، وأكّد الجميع أن التَعرفة الجديدة كان من شأنها أن تكون الأفضل في معظم الدول العربيّة لولا هذا الهبوط المتواصل لقيمةِ الليرة الشرائية، لكنَّ الأطرفَ في حوارنا هو إصرارُ أحد الزملاء على ضرورةِ عدم تمسك الهيئة بحقوق الملكيّة؛ رغبةً في تعميق دورها الثقافي،”فليُسمحْ بنشرِ الكتابِ في أيّ مكانٍ كان بعد أن تأخذه الهيئة وتطبعه؛ لماذا نحتكرُ طباعتَه خمس سنواتٍ؟” بيّنتُ للمجتمعين أنّ هذا قانون تعمل وفقه جميعُ دور النشر في العالم، ولن تجد دار نشر خاصة سورية تطبعُ كتاباً (ولاسيّما مُترجماً) إلا وتوقِّعُ مع المترجم أو الكاتب عقد بيعٍ قطعي أزلي لقاءَ تعويضٍ هزيلٍ جدّاً، وفي هذا ظلمٌ كبير، لكنّ معظم كتّابنا يوافقون لأسباب كثيرة أهمّها حاجتهم الماديّة، أمّا في الهيئة فحقوق ملكيّة أي كتاب لا تتجاوز خمس سنوات، وهي تقدّم للكاتب أو المترجم تعويضاً جيّداً، ونحو 75 نسخة من الكتاب هديّةً. حتّى إذا ما طُرِحَ بينَ أيدي الناس كان سِعْرُه بسيطاً جداً، وطبّقتْ عليهِ حسومات تصل إلى 60% وتذكّرتُ وصيّة ليو تولستوي التي عُثِرَ عليها بعد وفاتِهِ على شكِلِ رسالةٍ سريّة خاطب فيها ابنتَهُ الصُغرى ألكساندرا، ومنَحَ فيها كل من يرغب بنشرِ أعمالِهِ الحق بذلك، ومنعَ أقرباءَه من احتكار ذلك الحق، وقد كتبَ حرفيّاً “إن مؤلفاتي ملك للشعب”، وهنا جاءَ القانون الذي رأى أن هذهِ الوصيّة لا تُنفّذ ولابُدّ من أن يُعْهَد لجهةٍ معيّنة أو أشخاص محدّدين بتنفيذ الوصيّة…
ألم يفعل ألفرد نوبل ما يشبه ذلك حين خَصَّ أقرباءَه بجزءٍ يسيرٍ من ثروتِهِ التي حصل عليها من مكتشفاتِهِ، وخَصّ بالجزء الأكبر جائزته الشهيرة…
ثُمّ قلتُ للزملاءِ ضاحكاً: “لا تنسوا أن ثمة مواقع إلكترونيّة كثيرة لا نعرفُ أصحابها الطيّبين تُقَرْصِنُ كل ما يطبع في الوطن العربي تأليفاً أو ترجمةً وتنشرُهُ، وتُتيح تحميله وقراءَته لمن يريد” وأنا شخصيّاً سعيدٌ بأن معظم أعمالي المؤلفة والمترجمة مُقَرْصنة ومنشورة على تلك المواقع، وبعضها منشور ككتاب ناطق مُسجّل؛ وما سألني أحد رأيي، ولم يدفع لي أحد أتعابي… المهم أن يقرأ الناس في بلادنا…
إضاءات- د. ثائر زين الدين