الملحق الثقافي:إينيس غوزيل :
أدى مقتل الأمريكي الأفريقي جورج فلويد على يد ضابط شرطة أبيض في الولايات المتحدة، إلى موجة من المظاهرات المناهضة للعنصرية في جميع أنحاء الولايات المتحدة وحول العالم. لم تكن أوروبا استثناء، حيث خرج الآلاف إلى الشوارع في برلين وباريس ولندن، منددين بعنف الشرطة والظلم العنصري.
تسبب مقتل فلويد بغضب عالمي. نددت العديد من الحكومات الأوروبية، وكذلك عدد من كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي، بالعنصرية المؤسسية وإساءة استخدام السلطة. كما أعربوا عن دعمهم للاحتجاجات المناهضة للعنصرية حول العالم.
باستثناء حزب «فوكس» Vox اليميني المتطرف في إسبانيا وحزب الحرية المناهض للإسلام في هولندا، الذي وصف المتظاهرين المناهضين للعنصرية بأنهم «إرهابيون»، كان الرد النموذجي من قبل غالبية الأحزاب الأوروبية هو رد على جميع أشكال العنصرية.
في حين أنه من المشجع رؤية الأحزاب الأوروبية الرئيسية تدين القتل وتبدي التضامن مع احتجاجات جورج فلويد، فإن معظم الدول الأوروبية لا تختلف كثيراً عن الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالقضايا التي أدت إلى وفاة جورج فلويد. لا يقتصر التمييز والعنصرية على الولايات المتحدة وحدها، كما أن حدوث الجرائم ذات الدوافع العنصرية كان في ازدياد منذ فترة طويلة في العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وفقاً للتقرير السنوي للمفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب (ECRI) الذي نشر في شباط/ فبراير 2020، هناك مشكلة متكررة من التمييز ضد المسلمين والغجر والأشخاص الملونين داخل الدول الأعضاء الـ 47 في المجلس. تؤكد المفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب على التأثير المتزايد للسياسات القومية المتطرفة وكراهية الأجانب في أوروبا، مما أدى إلى زيادة حادة في خطاب متجذر في التعصب وعدم التسامح.
إن العنصرية التي أوجدها اليمين المتطرف ضد الأقليات الدينية والعرقية، وخاصة المسلمين في أوروبا، تتزايد في الفضاء الأوروبي السائد.
وفي أحدث عمل إرهابي وقع في فبراير/ شباط، قُتل 11 شخصاً، معظمهم من أصل تركي، في هاناو على يد يميني متطرف بالقرب من مدينة فرانكفورت بألمانيا. إن مذبحة هاناو هي الأحدث في سلسلة طويلة من الهجمات الإرهابية التي ارتكبها يمينيون متطرفون في أوروبا.
العنصرية اليمينية المتطرفة
تتصور الأحزاب اليمينية المتطرفة فهماً حضارياً لأوروبا كقارة من المسيحيين البيض ذوي التاريخ والقيم الثقافية المشتركة، حيث يكون المسلمون «الآخرون الخطرون» يشكلون تهديداً ثقافياً للهوية القومية الأوروبية.
أصبحت الإسلاموفوبيا أداة مفيدة للأحزاب اليمينية المتطرفة لاستخدامها في أغراض انتخابية. خلقت هذه السياسة بيئة سياسية سمحت لليمين المتطرف ليس فقط بالحث على كراهية الإسلام، ولكن أيضاً بتحويل تلك الكراهية إلى تيار سياسي واجتماعي في العديد من المجتمعات الغربية. كان اليمينيون المتطرفون يضعون الأجندة السياسية، مما أجبر المحافظين «الانتهازيين» على تقليد أفكار ولغة الهامش الراديكالي.
ومع ذلك، حتى مع هذه التهديدات التي تفرضها أيديولوجيا اليمين المتطرف على التماسك المجتمعي والقيم الأوروبية التي تحمي الأقليات العرقية والدينية، فإن السياسيين ووسائل الإعلام الرئيسية تغض الطرف، ويختارون رفض هذه المشكلة على أنها «قضية هامشية» موجودة داخل حدود إقليم أقصى اليمين.
على العكس من ذلك، فإن الإسلاموفوبيا لم تعد مقتصرة على الهامش بالتأكيد، بل أصبحت نوعاً من العداء المستمر يظهر نفسه داخل هياكل السلطة وكذلك في الأماكن الاجتماعية الأخرى.
في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، من المرجح أن يتم إيقاف شخص وتفتيشه 150 مرة بموجب الجدول 7 من قانون الإرهاب – وهو تشريع صارم يسمح بإيقاف الأشخاص في الموانئ دون «شك معقول» – إذا كان من الباكستانيين.
حان الوقت لأوروبا لمواجهة عنصريتها
إن تفوق البيض في الولايات المتحدة والتمييز ضد الأمريكيين من أصل أفريقي يزدهران في الولايات المتحدة. إن الموت المأساوي لجورج فلويد هو مثال آخر على العنصرية وازدراء الأمريكيين السود في الولايات المتحدة. ومع ذلك، لا تزال السيادة البيضاء والشعور بالتفوق سائدين في جميع المجتمعات. إن الكفاح ضد العنصرية وأنواعها لم ينته بعد.
إن تفوق البيض والعنصرية ضد الأمريكيين من أصل أفريقي يمثل تهديداً في الولايات المتحدة، والتطرف اليميني المتطرف موجود ويشكل تهديداً لأوروبا.
يجب أن تكون حادثة جورج فلويد المأساوية دعوة لإيقاظ جميع الحكومات الأوروبية للتصدي للتحديات الخاصة بها. يجب على الحكومات الأوروبية أن تدرك أن الجماعات العرقية المختلفة، سواء أكانت ذات ألوان مختلفة أو أقليات دينية، تواجه التمييز يومياً. لذلك، يجب ألا يغضوا الطرف عن قضية العنصرية والتعصب الذي يحدث في قارتهم.
في حين أنه من الصحيح أن المناقشات حول العرق والتطرف اليميني تجري، إلا أنها بعيدة عن حل القضية. لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لمكافحة تهديد اليمين المتطرف. طالما أن السياسيين العنصريين والأحزاب السياسية العنصرية قادرون على مواصلة الدعاية العنصرية مع الإفلات من العقاب باسم حرية الكلام وسياسات الكراهية التي يتلقونها وتحظى بدعم كبير، فإن الاستهزاء بالعنصرية أمر لا مفر منه.
لقد حان الوقت لأن تعترف أوروبا وتواجه مشكلتها الخاصة بالعنصرية واليمين المتطرف قبل فوات الأوان. اليوم، العالم كله متحد في السعي لتحقيق العدالة لجورج فلويد. ومع ذلك، لا يمكن تحقيق العدالة إلا إذا تم القضاء على آفة العنصرية في جميع أنحاء العالم، بدءاً من حيث بدأ كل شيء.
ترجمة عن الانكليزية
التاريخ: الثلاثاء16-6-2020
رقم العدد :1002