ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
يجثم الوضع الاقتصادي بأعبائه على الصدور، وتتلازم معه قافياته المتعددة الأشكال والنماذج من أولها حتى آخرها، ويترك للاجترار موقعه ولا يكتفي بالمساحة التي اعتادها في سنوات الاسترخاء،
بل يتمدّد ليسطو على المساحات الشاغرة التي أخلاها أصحابها عن طيب خاطر أو عن سوء نية!!
لسنا بوارد المضاربة في سوق الانتقاد وقد وصل إلى ذروته، ونستطيع أن نجزم أن الكلمات والمفردات تجتمع اليوم تحت سقف واحد لدى الطيف الأوسع من السوريين، وبعضهم يستطيع أن يسجل انجازاً حقيقياً في نقاط السبق بأحجياتها المختلفة.
لكن على المقلب الآخر لسنا من هواة الدفاع، ولا هو وارد ما دام الأمر لا يرتبط أساساً بقضية الدفاع أو الهجوم، بقدر ما يحاكي وجعاً يستنزف أحلام السوريين وحياتهم ومعيشتهم، وسط هذه الضوضاء التي تستشري فيها الشائعات وتلتهم ما تبقّى من ركام خبأته السنون وراكمت حضوره بين أحاديثهم المستترة والمعلنة على حد سواء.
فالوضع وصل مستويات غير مسبوقة وفي بضع أيام، وأحياناً تكفي ساعات قليلة حتى يكتسح ما يقف أمامه، وما يكون شائعة للحظات يصبح حقيقة يتم التعامل بها وتفرض نفسها على السوق ومرتاديه، لذلك نجد من الضرورة التوقّف عند نقاط تثار على سبيل الشائعة، وفي أحاديث الغرف المغلقة وصالونات الثرثرة، لكن حين تقارنها بالواقع تجد الكثير من بصماتها بوضوح، وتستطيع أن تلمس ترجمتها بصور مختلفة على أرض الواقع.
فشائعة المضاربة وخطوط ارتدادها المفتوحة صعوداً وهبوطاً… وهي قضية شائكة حتى باللفظ، فما بالك بالحديث عن بعض التفاصيل المتداولة، وبعض الجزئيات المقترنة بمقولات " قيل عن قال" لكنها في حقيقة الأمر حاضرة ولها أيادٍ تضرب بها وأرجل تسير عليها، ولسان ينطق باسمها، وممرات تسمح لها بالتجوال بيننا وعلى مرأى ومسمع القريب فينا والبعيد.
ما يسرّب يبدو أبعد من تلك التفاصيل المختبئة أو المخبأة بين السطور.. وهي أكثر من شائكة، بل هي خطيرة وتترتب عليها مسؤوليات، ويندرج معها العجز وهو في المجمل ليس محرماً ولا هو جرماً لكنه قد يصبح كذلك حين يستمرأ ذلك، فالغلاء لم يأت من فراغ، ولا هو خارج التوقعات، وليس عملاً مفاجئاً انهال علينا جميعاً، بل وجع فينا، وعلينا أن نرى سبيلاً إلى الشفاء منه.
الواضح أننا أمام مقاربات محظورة حتى في الأحاديث المغلقة، لكننا وصلنا إلى النهايات الصادمة، وأن ما يجري لا يمكن لعاقل أن يصدق أنه وليد الأزمة فقط، بل هو في جزء ليس بقليل منه وليد شرعي ومعترف به لممارسات لا تزال تقسو على السوري في اصطفافاتها، ورغم ما يموج من عواصف لم تخرج تصرفات وإجراءات الفريق الذي يديرها عن رتمها اليومي، ولا عن عبثية مواجهتها بالنفي كلما أطلت برأسها.
ندرك جميعاً أن الكثيرين سيسألون ما هو الحل؟ ونستطيع أن نجيب كما يجيب أغلبية السوريين: ليست مسؤوليتنا المباشرة، بل مسؤولية حصرية في المكان والزمان وحتى الأشخاص، وذلك ليس تهرباً، ولا هو إغلاق للمخارج، بقدر ما هو محاولة لتبويب تلك المخارج، فلسنا من دعاة الصمت وقد وصلت الأمور إلى مسالكها المغلقة، ولسنا من مروجي ومدعي تبرئة الذمة، فالجميع يتحمل من موقعه ودوره، لكننا في الوقت ذاته كغيرنا بتعدد أطيافنا معنيون بأن نضع نقاطاً جمعها السوريون وأمسكوا بحبرها، على الحروف التي تحتاجها، وحيث يجب أن تكون تلك الحروف ومواقعها داخل الكلمات.
الأسئلة المتداولة عن الأسباب والخلفيات – بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن الوضع الأمني والتخريب والإرهاب – لا تشفي غليل الكثيرين من السوريين، ولسان حالهم يجادل في التسريبات والأحاديث المصنفة في خانة المسكوت عنه أو المتفق معه، حيث التجريم لا يحتاج إلى تشريع حتى يثبت، وقد سبق لكثير من السوريين أن أطلقوا أحكامهم، فلا حلول وسطاً مع المتاجرة بلقمة عيشهم.
تأخّرنا صحيح، وتأخرت معنا الإجراءات الاحترازية والعلاجية على حد سواء، لكن لا تزال في الأفق مساحة كي نتبين الفارق بين ما جاء حشواً لملء فراغات شاغرة، وبين ما هو بفعل متعمّد، وهنا نجزم بأنه من غير المسموح المهادنة معه، أو قبول المساكنة بحضوره.
a.ka667@yahoo.com