ثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
أكد وزير الدفاع الأمريكي في مؤتمر صحفي أن تهديد كوريا الشمالية للولايات المتحدة سيقابل برد عسكري كبير، محذرًا من نتائج الرد العسكري على الشعب الكوري وقال: إن الرئيس ترامب أراد أن يطلع على كل الخيارات المطروحة – العسكرية منها والاقتصادية – لوقف هذه التهديدات.
وأشار نائب الرئيس مايك بنس في المؤتمر الصحفي إلى أن الهدف المباشر هو تجميد التجارة مع كوريا الشمالية، أي سياسة العزلة الاقتصادية.
وحذر ترامب من أن الولايات المتحدة تفكر في وقف التجارة مع أي دولة تتعامل مع كوريا الشمالية، ونظام العقوبات هذا موجه بشكل أساسي ضد الصين لأن 90% من تجارة كوريا الشمالية مع الصين، ولكن هل ستهتم الصين بهذه التهديدات وهي أكبر شريك تجاري لأمريكا.
والآن تخيل العكس ماذا يمكن أن يحدث إذا قررت الصين بعد تهديدات واشنطن من يوم إلى آخر أن تحد بشكل كبير من صادراتها من السلع “المصنوعة في الصين” إلى الولايات المتحدة ؟
الصين لا تعتمد على واردات الولايات المتحدة، على العكس تماما أمريكا هي اقتصاد قائم على الاستيراد مع قاعدة صناعية وتصنيعية ضعيفة تعتمد بشكل كبير على الواردات من جمهورية الصين الشعبية، إذاً سيكون الأمر مدمرا للغاية، وسيعطل الاقتصاد الاستهلاكي، وتعم الفوضى الاقتصادية والمالية الأمريكية.
“صنع في الصين” هو العمود الفقري لتجارة التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية التي تحافظ بشكل أساسي على استهلاك الأسر في جميع فئات السلع الرئيسية تقريبًا من الملابس والأحذية والأجهزة والإلكترونيات والألعاب والمجوهرات واللوازم المنزلية والغذاء وأجهزة التلفزيون والهواتف المحمولة، الخ..
في حزيران الفائت هددت واشنطن بكين بنظام عقوبات، ردا على زيادة تجارة السلع الصينية الثنائية مع كوريا الشمالية، في البداية لم يكن القصد من العقوبات الأمريكية أن تكون ضد الحكومة الصينية، فقد كانت البنوك والشركات التجارية الصينية المشاركة في تمويل تجارة السلع بين الصين وكوريا الديمقراطية أهدافًا محتملة للانتقام الأمريكي بعد أن فقدت صبرها مع الصين، وتدرس إدارة ترامب خطوات جديدة لتجويع كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي، بما في ذلك خيار من شأنه إثارة غضب بكين، كعقوبات على الشركات الصينية التي تساعد على إبقاء اقتصاد الشمال واقفا على قدميه، ووفقا للمصادر الصينية زادت تجارة الصين مع كوريا الديمقراطية بنسبة 37.4 في المائة في الربع الأول من عام 2017، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2016، وزادت صادرات الصين بنسبة 54.5 في المائة، وشهدت واردات كوريا الديمقراطية زيادة بنسبة 18.4 في المائة .
إلى جانب “حزمة” العقوبات التشريعية الصارمة التي تبناها الكونغرس الأمريكي مؤخراً ضد روسيا وإيران وكوريا الشمالية، تهدد واشنطن الآن الصين بعبارات لا لبس فيها حيث يطلب ترامب من بكين التخلي عن علاقتها مع كوريا الديمقراطية، من خلال الانحياز غير المشروط لواشنطن ضد بيونغ يانغ .
منحت واشنطن الصين ستة أشهر “لإثبات التزامها بمنع كوريا الشمالية المسلحة نووياً، على الرغم من حقيقة أن بكين قد أعربت عن معارضتها القوية لبرنامج الأسلحة النووية لكوريا الديمقراطية.
يقترن الموعد النهائي السياسي بتهديدات مبطنة “إذا لم تمتثل”، سيتم اعتماد إجراءات تجارية عقابية ما قد يؤدي إلى تعطيل صادرات الصين إلى الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك يعتزم البيت الأبيض إجراء “تحقيق في الممارسات التجارية الصينية” مع التركيز على الانتهاكات المزعومة لحقوق الملكية الفكرية الأمريكية، ومن المقرر إطلاق تحقيق في ذلك، و بعد الانتهاء من التحقيق تهدد واشنطن ” بفرض رسوم جمركية صارمة على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، وإلغاء التراخيص للشركات الصينية لممارسة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة، أو اتخاذ إجراءات أخرى يمكن أن” تمهد الطريق أمام الولايات المتحدة لفرض عقوبات على المصدرين الصينيين أو تقييد نقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الشركات الصينية أو المشاريع المشتركة بين الولايات المتحدة والصين”.
عند صياغة هذه التهديدات المبطنة، يجب على إدارة ترامب التفكير مرتين، سوف تؤدي هذه الإجراءات إلى ردة فعل لا محالة على الاقتصاد الأمريكي، إذا سألت المستهلك الأمريكي عن قائمة طويلة لمجمل استهلاكه ستجدها صينية الصنع. “تصنع الصين 7 من كل 10 هواتف محمولة تُباع في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى 12 مليار ونصف زوج من الأحذية” (أكثر من 60 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي) علاوة على ذلك تنتج الصين أكثر من 90٪ من أجهزة الكمبيوتر في العالم و 45٪ من مصانع بناء السفن، ويتم عرض حصة كبيرة من البضائع المعروضة في مراكز التسوق الأمريكية بما في ذلك العلامات التجارية الكبرى “صنع في الصين” التي تهيمن أيضًا على إنتاج مجموعة كبيرة من المدخلات الصناعية والآلات ومواد البناء والسيارات وقطع الغيار
والملحقات، إلخ . ناهيك عن التعاقد مع الشركات الصينية نيابة عن التكتلات الأمريكية في الخفاء، فالصين هي أكبر شريك تجاري لأمريكا، ووفقًا لمصادر أمريكية بلغ إجمالي التجارة في السلع والخدمات مع الصين ما يقدر بـ 648.2 مليار دولار في عام 2016، وبلغ إجمالي صادرات الصين من السلع إلى الولايات المتحدة 462.8 مليار دولار، فالاستيراد من الصين عملية مربحة بعدة تريليونات دولار لأنها مصدر ربح وثروة هائلين في الولايات المتحدة، لأن السلع الاستهلاكية المستوردة من اقتصاد الأجور المنخفض في الصين غالبًا ما يتم بيعها على مستوى البيع بالتجزئة أكثر من عشرة أضعاف سعر المصنع. لا يتم الإنتاج في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تخلى المنتجون عن الإنتاج، وإن العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين له دور فعال في دعم الاقتصاد الاستهلاكي المدفوع بالربح والذي يعتمد على السلع الاستهلاكية المصنوعة في الصين .
إن استيراد السلع من الصين (أكثر من 462 مليار دولار) يساعد من خلال تفاعل أسعار البيع بالجملة والتجزئة (التي تساهم في القيمة المضافة) إلى زيادة جوهرية في الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا دون الحاجة إلى إنتاج السلع. بدون الواردات الصينية سيكون معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي أقل بكثير .
ما نشير إليه هو نمو بقيادة الاستيراد، لم تعد الشركات الأمريكية بحاجة إلى الإنتاج، فهي تتعاقد في الخفاء مع شريك صيني، ولماذا يحدث هذا ؟ لأن الصناعات التحويلية الأمريكية في العديد من قطاعات الإنتاج قد تم إغلاقها خلال الأربعين عامًا الماضية ونقلها إلى الخارج (من خلال التعاقد في الخفاء) إلى مواقع العمالة الرخيصة في البلدان النامية.
لا يرتبط الاقتصاد الصيني بالتجمع الصناعي فحسب، بل تشكل الصين بشكل متزايد منافسًا ومصدرًا رئيسيًا في مجموعة متنوعة من قطاعات التكنولوجيا العالية.
باختصار هذا النوع من الابتزاز الاقتصادي من جانب إدارة ترامب ضد الصين لا ينجح على المدى القصير ولا تستطيع الولايات المتحدة التخلي عن وارداتها من السلع المصنعة الصينية لأنه سيكون انتحاراً اقتصادياً.
يدرك صانعو السياسة الصينيون تمام الإدراك أن الاقتصاد الأمريكي يعتمد بشكل كبير على “صنع في الصين” ومع وجود سوق داخلية لأكثر من 1.3 مليار شخص، إلى جانب سوق تصدير عالمي، فإن بكين لن تأخذ هذه التهديدات الأمريكية المبطنة على محمل الجد.
بقلم: البروفيسور ميشيل شوسودوفسكي
المصدر asia pacific research