ثورة أون لاين –ترجمة ليندا سكوتي:
إبان تولي بوريس جونسون حقيبة الخارجية البريطانية على مدى سنتين، لم يعر اهتماما جديا للدفاع عن حقوق الإنسان، بل على العكس من ذلك فقد وقعت كارثتان إنسانيتان تحت ناظريه دون أن يحرك ساكنا حيال أي منهما. وكانت الأولى ما شهدناه في اليمن، حيث يسود الاعتقاد بوفاة أكثر من 100,000 شخص، لكن جونسون لم يتخذ أي إجراء لوقف هذا النزاع، بل إنه عمد في الواقع إلى إذكائه.
-الاستنكار الأخلاقي
من الصعوبة بمكان أن ننسى ما دأبت عليه بريطانيا من تزويد للمملكة السعودية بالأسلحة على الرغم من أنها المحرك الرئيس للحرب في اليمن.
وتتمثل الكارثة العظمى الثانية بموقفه مما يجري لمسلمي الروهينغا في ميانمار، إذ جاء موقفه مثيرا للدهشة والاستنكار الأخلاقي، ولاسيما بعد قيام وزير الدفاع مارك فيلد بالدفاع عن النظام القائم في ميانمار الذي يواصل أعمال القتل.
في خطاب مخجل ألقاه فيلد أمام مجلس العموم شهر أيلول عام 2017، ندد بعبارات شديدة اللهجة لما يجري في الروهينغا من جراء أعمال العنف، بيد أننا لم نشهد فرض عقوبات على جنرالات أعطوا أوامر بارتكاب المجازر.
وفي هذا السياق، قوبل سلوك جونسون فيما يتعلق بميانمار واليمن بالملامة خلال هذه الفترة لكون المملكة المتحدة كانت صاحبة القول الفصل في الأمم المتحدة. وكان إنهاء أعمال العنف يقع في مسؤوليتها ويشكل فرصة فريدة لها، إلا أن جونسون آثر القيام بإجراء مغاير.
وأسوأ ما في الأمر، بذل جونسون المساعي الحثيثة للحيلولة دون قيام الاتحاد الأوروبي بإنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة بشأن جرائم الحرب السعودية في اليمن.
-عقوبات خجولة ومتأخرة
لذلك يجب علينا أن ننظر بشك وريبة إلى ما قاله وزير الخارجية دومينيك راب من أن بريطانيا عازمة على فرض عقوبات جديدة، علما أنه شغل منصب وزير الخارجية عندما تولى جونسون رئاسة الحكومة في شهر تموز الفائت، وقد أعلن يوم الاثنين أن هذه العقوبات ستطال منتهكي حقوق الإنسان، وجرى فرض عقوبات على تسعة وأربعين شخصا ومنظمة، منهم 20 شخصا سعوديا على صلة باغتيال الصحفي جمال خاشقجي، واثنان من الجنرالات العسكريين رفيعي المستوى في ميانمار انخرطوا في ارتكاب مجازر الروهينغا أيضا وآخرون غيرهم.
وعلى الرغم من أن المجتمع الدولي قد استنكر وأدان ما جرى من انتهاكات لكن ما اتخذه من إجراءات جاءت خجولة ومتأخرة. كما نجد أن المملكة المتحدة قد عمدت إلى تخفيف لهجتها إن لم نقل إنها تحاشت الحديث عن تلك الجرائم، بالإضافة إلى ذلك لا يمثل فرض عقوبات على جنرالين اثنين بعد سنوات خلت سوى إجراء لحفظ ماء الوجه.
-حليف موالٍ
ما يلفت الانتباه هو قائمة العقوبات المفروضة على السعودية التي تشمل رئيس الاستخبارات السابق أحمد العسيري، والمستشار السابق للأمير محمد بن سلمان، سعود القحطاني، إذ يواجه الاثنان حكما غيابيا جراء إعطاء الأوامر باغتيال الخاشقجي في تركيا.
على مدى عقود خلت، شكلت بريطانيا الحليف الملتزم والموالي للسعودية، إذ أفضت صفقات بيع الأسلحة السابقة إلى توفير أكثر من عشرة آلاف فرصة عمل في بريطانيا. ووفقا لما ذكرته الحكومة البريطانية، فلا تزال السعودية الحليف الاستراتيجي الرئيس في الشرق الأوسط وتقدم المعونة للقوات الأمنية البريطانية في إجهاض الهجمات الإرهابية في الداخل. وبالمقابل غضت بريطانيا الطرف عن الانتهاكات والفظائع السعودية المرتكبة.
ذكرت صحيفة الغارديان أن بريطانيا تزود المملكة بالأسلحة مقابل 10,3 مليار جنيه إسترليني وذلك منذ عام 2008 إلى 2018. وكشفت القناة الرابعة عن تفاصيل تورط إحدى الشركات البريطانية بتقديم المعدات والتقنيات لدعم الهجمات السعودية على اليمن.
-عقوبات متأخرة
منذ ما يناهز العام صدر عن محكمة الاستئناف قرار يمنع عمليات تصدير الأسلحة إلى السعودية، بيد أنه في يوم الثلاثاء (الذي تلا إعلان العقوبات البريطانية) أعلنت وزيرة التجارة الدولية ليز تروس أن صفقات بيع الأسلحة إلى السعودية قد تُستأنف من جديد.
ما أثار الدهشة والاستغراب في تصريحها ما خلصت إليه المراجعة الرسمية من أن الضربات الجوية في اليمن التي انتهكت القانون الإنساني لم تكن إلا “أحداثا فردية”.
في اليوم الذي تلا إطلاق المملكة المتحدة نظامها الجديد بشأن حقوق الإنسان الذي حظي بتغطية إعلامية مكثفة، أعلنت عن استئناف بيع الأسلحة إلى دولة تعدها الأمم المتحدة المسؤولة عن أسوأ كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين. ولم تبد الإدارة البريطانية سوى إدانة خجولة لجهة مقتل الخاشقجي تحسبا من إثارة غضب محمد بن سلمان، كما أن هناك عددا كبيرا من اللطخات السوداء في سجل جونسون، بما فيها تعاطيه مع جائحة كوفيد-19 عندما ارتكب أخطاء جسيمة ثبت منها إهماله. وطالما تعرضت سمعة بريطانيا للضرر على المستوى الدولي، لكن أسوأ ما ارتكبته كان حيال اليمن إذ تبدي إصرارا محموما بشأن توريد الأسلحة للنظام السعودي.
ونافلة القول، فإن فرض عقوبات على مجرمين دوليين -رغم تأخرها- أمر مرحب به، لكن ينبغي ألا تصرف الانتباه عن تورط بريطانيا بمصرع مدنيين أبرياء في اليمن.
The middle east eye