ثورة أون لاين-بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
يسجل الحديث الروسي عن المرتزقة الغربيين انعطافة سياسية مهمة في الخطاب الدولي، لجهة تسليط الضوء على الزوايا المظلمة والمعتم عليها قسرياً في الرواية الغربية وارتباطاتها بالإرهاب،
وقد تكون الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل للكشف عن «القطبة» الغربية المخفية في العلاقة بين المرتزقة والإرهابيين التي طالما كانت نقطة اتفاق مسكوتاً عنها، سواء أكان بالتفاهم أم بحكم الدور والوظيفة!!
ففي المبدأ.. لم يذكر التاريخ يوماً أن «الإرادة الدولية» تعاملت مع المرتزقة وأعمالهم وتحالفاتهم المرعية في السر والعلن، كما تتعامل معهم اليوم، خصوصاً أن الدافع ليس العجز ولا قلة الحيلة، بقدر ما هو سياق سياسي يتاجر إلى أبعد الحدود بأسس التعامل الدولي وبالأخلاقيات الفاسدة التي تحكم سيطرتها على سوق النفاق الدولي والغربي تحديداً.
بين الإرهاب وأوجه التعامل المزدوج معه، والتوظيف المتعدد الأوجه له، وبين المرتزقة ونظام الرعاية السياسية وقنوات التمويل، ثمة فارق يطفو على سطح العلاقات الدولية، ويصفع المبادئ الدولية في صميمها.
فإذا كان الإرهاب وتعريفه ونماذجه المختلفة وعمليات الخلط السياسي والأخلاقي، قد حالت حتى اللحظة دون الاتفاق على أسس واضحة لمواجهته رغم وجود عشرات القرارات الدولية التي تجير وفق أهواء السياسة، فإنه من الثابت في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الاتفاق على نبذ المرتزقة ومن يتعامل معهم، رغم العثرات والملاحظات العديدة على تطبيقهما، وغياب الحديث عنهما في المنهج الغربي وانتفاء ذكرهم في النقاشات السياسية الدائرة حول توصيف الحالة القائمة في مناطق مختلفة.
وزاد الطين بلة أن هناك من تعمّد الخلط في الحالين بغية تمرير المشاغبة الشاذة التي يعامل بها الإرهاب لتكون هي ذاتها في العلاقة مع المرتزقة ورعاتهم ومموليهم الإقليميين، فالأمر لم يعد يقتصر في سياق المزج بين الحالين ووحدة الوظيفة السياسية الموكلة، بل في الاصطفاف السياسي القائم على الانتقائية في التعاطي القانوني والسياسي على حد سواء.
ولعل السؤال الذي يتم تجاهله عمداً كيف لهم أن يفرقوا بين إرهابي قادم من الشيشان أو من الأدغال الإفريقية أو من مخلفات جبال تورا بورا، وبين مرتزق جاء من أوروبا على القائمة الاعتبارية ذاتها، إذ لا يمكن لأحد من منظري السياسة الغربية أن يجادل في الفارق، لأسباب تتعلق بحسابات التوظيف المرحلي والتشوهات الحاصلة في البنية الأخلاقية لعمل منظمات الأمم المتحدة، بعد سلسلة التعديات الحاصلة عليها وتجيير مكاتبها ودوائرها -وحتى موظفوها – ليكونوا الغطاء السياسي للمرتزقة وقناة التعامي عن إرهابهم المنظم.
ومن ثمّ فإن حديث المسؤول الروسي، لا يفتح الباب على مصراعيه أمام ضرورة العمل لتحديد المسؤولية الدولية أخلاقياً وسياسياً، فحسب، بل يعيد إدارة المواجهة السياسية بين اتجاهين يتبلوران على ساحة المشهد الدولي الأول ينطلق من أسس مبدئية في التعاطي السياسي وفق مبادئ القانون الدولي، وآخر لم يتردد في استخدام الإرهاب كإحدى أدواته الضاربة في المواجهة، ولا يبدو معنياً بمسألة المرتزقة ويغض الطرف نهائياً عن ممارساتهم باعتبارهم باتوا الجزء المكمل للإرهاب في وظيفته الملحقة بأدواره الأخرى المتعددة الأوجه.
وهذا ليس استباقاً لحالة دولية غير معهودة لكنها في جوهرها تبني قاعدة قانونية وسياسية ضرورية لظاهرة تتفشى أبعد من الحدود السياسية المحكومة بها والتي تتحرك من خلالها، وترسم خطوطاً فاصلة بين مرحلتين من المواجهة التي اقتضت في الجزء الأول منها الاكتفاء بالأبعاد السياسية دون النظر إلى الأبعاد القانونية والأخلاقية، فيما الثانية تتطلب طُرق مواجهة مختلفة تكون البداية فيها من البيئة الحاضنة والمولدة للمرتزقة, وتمرّ بالدول الممولة لها والراعية سياسياً وإعلامياً لها حيث تجمع بمعرفتها وإدراكها أو بإملاء من الأميركيين والغربيين عموماً على الالتصاق بالحالة لتغييب الهوامش الدالة على المنتجين الغربيين تصنيعاً وتوظيفاً وتسويقاً.
فالفارق اليوم يتسع إذ إن المرتزق لم يعد فقط خارجاً على القانون الدولي، بل يضيف إلى سجله التناغم مع الإرهاب بأوجهه التكفيرية والظلامية، وتحوّله إلى الذراع الدموية الأكثر فتكاً لجماعات الإرهاب المصنفة غربياً، ففي الإحصاءات الصادرة عن دوائر غربية فإن العدد الأضخم من عداد التنظيمات الإرهابية بات اليوم في تركيبته العددية من المرتزقة الذين لم يعد «إسلامهم» شرطاً للانضواء تحت راية تلك التنظيمات الإسلامية الإرهابية، وبينهم من لا يعرف الإسلام ولا يريد أن يعرفه.
هنا ربما كانت «القطبة» المخفية التي طالما جاهد الغرب لبقائها خارج التداول، وجاء توقيت الحديث الروسي إيذاناً للبدء ببلورة رأي عام دولي ضاغط يميط اللثام عما تخفيه كواليس المشهد الغربي وفصول نفاقه.
a.ka667@yahoo.com