الثورة أون لاين – رشا سلوم:
إذا لم تغمس حبر إبداعك من الحياة وهموم الناس فأنت لست مبدعاً، بل مجرد راصف للكلمات التي تبدو حجارة قاسية لا يمكن أن تشكّل حتى جداراً.
الناقد والروائي حسن حميد قدّم للمكتبة العربية عشرات المؤلفات بين الدراسات والرواية والقصة، يضيف اليوم إلى القائمة إنجازاً آخر مهماً صدر عن الهيئة العامة للكتاب بدمشق حمل عنوان “عشّاق الحياة”، يتتبع في الكتاب سير مبدعين عالميين من الشرق والغرب ومن أطياف الحياة كلها.
لهذا كان عنوانه ملفتاً “عشاق الحياة” الحياة التي يصنعها الإنسان ويعود المبدع ليصوغها بشكل آخر، تقدّم تجربة إنسانيّة، تحمل قيماً جمالية، وتزرع بذور العطاء.
يفتتح الكتاب الذي يقع في ٣٠٧ صفحات من القطع الكبير بدراسة عن أورهان باموق ويقف عند السؤال الذي طرحه باموق على نفسه لماذا أكتب؟ ليكون جواب باموق: أكتب لأنني لا أستطيع مزاولة أيّ مهنة غير الكتابة، وأكتب لتصير كتابتي كتباً أعود إليها من أجل قراءتها، وأكتب لكي أكون مشهوراً، وأكتب لأني معجب بفكرة أنني مقروء، وأكتب لإيماني بخلود الكتب، وأكتب كي أترجم جمال الحياة، وأكتب كي أكون سعيداً، وأكتب كي يقول لي أبي: ستصبح باشا.. لكن أبي رحل منذ أربع سنوات وكم تمنيت لو أنه كان معي الآن.
هارولد بنتر : أميركا قوة متوحشة.
ويقف عند هارولد بنتر الكاتب البريطاني الذي يرى حميد أن مواقفه السياسية واضحة بقوة على عكس بعض أعماله الإبداعيّة فبنتر يقف ضدّ الغرب المتوحش الذي ينبطح أمام أميركا، ويضيف إنّ تدمير برجي التجارة في نيويورك كان عملاً أميركيّاً مخططاً له حتى تستطيع واشنطن التحرك في العالم كما تريد.
واحتلالها العراق عمل وحشي دموي ولصوصيّة عالميّة،
ويدعو بنتر إلى العمل من أجل أن نتحلّى بالعزيمة الراسخة لمقاومة الظلم وهذا أمر ضروري وملحّ لأنه من دون هذه العزيمة سنفقد كرامتنا الإنسانيّة.
سارماغو الحافي.
وينتقل حميد بعد بنتر ليقف عند محطّات في حياة ساراماغو الذي ظلّ لمدة أربعة عشر عاماً حافي القدمين بلا حذاء وهو المبدع الذي خاض حقولاً معرفيّة واجتماعيّة وسياسيّة ودينية مختلفة، لقد تحدّث ساراماغو عن حياته هذه في الخطاب الذي ألقاه في حفل تسلم نوبل للآداب، وكشف كيف كان يرعى الماشية، ويحتطب للجد والجدة ويخوض السواقي حافياً ليجمع أعواد القشّ التي تحوّلها الجدة مفرشاً للحيوانات الاليفة في الإسطبل المجاور لغرفة المعيشة.
لقد استلّ أشخاصه من بيوت الريف ومن دروبهم الضيّقة، ومن أحلامهم المحلّقة بعيداً كالطيور في رحابة السماء، و إنّ ارتباطه الأول، وحلمه الأول مشدود إلى عوالم ذلك الريف الحزين صورة ولكن المبهج والمضيء روحاً.
ثم ينتقل حميد إلى سير كتاب آخرين مهمين جداً لكنه يفرد مساحة واسعة للشاعر الروسي بوشكين الذي شكّلت وفاته ما يشبه الانتحار حين قبل بالمبارزة وهو يعرف أنها مكيدة له لكنه رفض أن يتراجع.
وبوشكين على الرغم من عمره القصير ترك أكبر الأثر في الشعر الروسي الخالد وكتب ملاحم شعرية مهمة جداً وكان مطّلعاً على الآداب العالميّة.
ومن المبدعين الذين يقف عندهم أيضاً، لويس ماسينيون وحافظ الشيرازي، وبودلير وغاريبالدي، وادغار الان بو وجان ماري لو كليزيو، والن باتون.