ثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
لقد بدأ وبشكل واضح التوجه العالمي في عدد من دول العالم بالتزايد نحو “إلغاء الدولار”. وبعبارة أخرى، فإن آخر جزء من الجدار الداعم من مبنى “إمباير ستيت” الأميركي قد بدأ فعلاً بالانكسار.
وتشمل استراتيجية السياسات العالمية لعملية “إلغاء الدولار” تخفيض موجودات الديون الأميركية بشكل كبير، وإلغاء استخدام الدولار الأميركي كعملة أساسية، وزيادة تجارة السلع غير السائبة بالدولار، وزيادة احتياطي العملات الأخرى غير الدولار، وتكثيف تحوّط الذهب مقابل الدولار.
فمن منظور الدين الأميركي كان هناك تخفيض من قبل البنوك المركزية العالمية لمقتنيات ديونها الأميركية على مدى 22 شهراً متتالياً من نيسان 2018 إلى آذار 2020. وفي شهر آذار تعهّد مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بتيسير كمية غير محدودة وذلك بشراء أكثر من 1 تريليون دولار من سندات الخزانة في غضون شهر واحد. وبذلك أصبح الاحتياطي الفيدرالي أكبر متلق لسندات الخزانة الأميركية.
وبنفس الشهر، آذار، كانت العوائد على الخزانة سلبية لمدة شهر ومن ثم لثلاثة أشهر متتالية، في حين بلغ العائد على سندات الخزانة لمدة 10 سنوات أقل من 1 في المئة للمرة الأولى، وفقاً للتقارير الواردة في وسائل الإعلام. وهذا يجسد التوقعات العالمية لضعف الاقتصاد الأميركي.
كما لا يمكن استبعاد احتمال أن يقوم عدد من المستثمرين الأجانب على المدى القصير، بزيادة حيازتهم على سندات الخزانة الأميركية. وعلى المدى الطويل يمكنهم خفض ديونهم الأميركية.
لقد أصبح الاحتياطي الفيدرالي الذي أمضى أكثر من نصف قرن في بناء مصداقيته العالمية، بمثابة الخندق الأخير لسندات الخزانة الأميركية.
ففي السنوات الأخيرة خفض العديد من أعضاء مجموعة العشرين، مثل الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا استخدامهم للدولار الأميركي في الصفقات التجارية.
ووفقاً للمعلومات التي كشفت عنها جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT) في شهر أيار من العام الجاري، فقد كانت حصة الدولار الأميركي في سوق الدفع الدولي 40.88 في المئة، بانخفاض من 44.1 في المئة في شهر آذار.
وتقدّر السوق أنه على الرغم من وجود طريق طويل لتحقيق خطوة “إلغاء الدولار”، فهناك قلق من قبل دول أخرى لتحقيق ذلك.
لقد تم انتقاد نظام سويفت الذي يستخدم تقليدياً للتخليص الجمركي والمدفوعات، والذي تسيطر عليه الولايات المتحدة بشكل كبير وعلى نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. وتسعى العديد من الدول إلى بناء أنظمة دفع بغير الدولار. فعلى سبيل المثال، أطلقت الصين نظام الدفع عبر الحدود في عام 2015. ومن المحتمل جداً أن تنخفض حصة الدولارات الأميركية في أنظمة الدفع الدولية إلى أقل من 40 بالمئة.
كما انخفضت حصة الدولار الأميركي من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي لجميع الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي من 72 بالمئة في عام 2000 إلى 61.99 بالمئة في نهاية الربع الأول من عام 2020. وعلى الرغم من أن حصة الدولار الأميركي من احتياطيات النقد الأجنبي لا تزال تحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم، إلا أن تراجعها قد أصبح واضحاً في السنوات الأخيرة، فالعديد من البلدان مصممة على تنويع احتياطياتها من العملات الأجنبية. وفي الوقت نفسه، زادت البنوك المركزية في تلك البلدان احتياطياتها من الذهب، وشهد عام 2019 العام العاشر على التوالي من صافي مشتريات الذهب السنوية.
ولتعويض المخاطر التي تسبب بها الدولار الأميركي، تراجعت حصة الولايات المتحدة في احتياطيات الذهب العالمية من 23.64٪ في نهاية حزيران 2019 إلى 15.5٪ في نهاية حزيران 2020. وهذا يعكس ضعفاً في ثقة الدول بالدولار الأميركي. ومن المعقول جداً أن العقوبات الأميركية ضد الصين بسبب تشريع الأمن القومي للبلاد لهونغ كونغ سوف تزيد من سرعة تطبيق برامج “إلغاء الدولار” في معظم الدول.
فبالإضافة إلى سندات الخزانة الأميركية، والمدفوعات والاحتياطيات الأجنبية، فإن العملة الرقمية تعد أحدث عامل يؤثر على تقدم عملية “إلغاء الدولار”. إذ تسعى العملة الرقمية إلى استبدال شامل للدولار الأميركي باعتباره العملة الدولية الأساسية من حيث الإصدار والتكنولوجيا والأدوات. وقد أجرت الاقتصادات الكبرى، بما في ذلك الصين والاتحاد الأوروبي واليابان، بالإضافة إلى العديد من الشركات متعددة الجنسيات، أبحاثاً طويلة المدى حول التعامل بالعملات الرقمية.
ظل العديد من المشككين منذ أن بدأ القرن الحادي والعشرون، يعتقدون أن “إلغاء الدولار” قد يكون أمراً مستحيلاً فهم يشعرون أن الأسواق تعتمد بشكل أساسي على الدولار الأميركي. ولكن يبدو أن جائحة كوفيد-19 وانتشارها السريع في العالم وخصوصاً في أميركا قد أدى إلى تقدم أسرع في “إلغاء الدولار”. وبالنظر إلى القرارات الدبلوماسية للدول الأخرى وتوقعات السوق بخصوص الدولار الأميركي ، يمكن القول إن الولايات المتحدة لا يمكنها أبداً تشكيل دائرة احتواء استراتيجية دولية ضد الصين، ويبدو واضحاً أن الصين واثقة من ذلك تماماً.
المصدر Global Times