الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
مما لا شك فيه أن النص في أي عمل سينمائي أو تلفزيوني يعتبر حجر الزاوية والشرارة الأولى التي تنطلق منها عملية إبداعية تحتاج للكثير من العناصر الهامة الأخرى سعياً للوصول إلى النجاح ، ولكن دون سيناريو مُحكم يحمل عوالم التشويق والجذب ومبني وفق هيكلة صحيحة لا يمكن الوصول إلى شط الأمان ، هذا ما يشدد عليه الكثير من المبدعين. ويشيرون بالبنان إلى أن ضعف الناتج النهائي سببه اللبنة الأولى (النص) ، فهل شحّت الأفكار وجفت الأقلام ؟ أم هي حالة تخضع لآلية التعاطي وفق مبدأ (السوق) وسط وجود منتجين ومنتجين منفذين حاولوا تكريس قيم مجافية لتلك التي رسخها الأولون وبات أياً كان يمكن أن يكتب سيناريو كما بات أياً كان يمكن ان يُخرج ويُنتج ويُمثل ! ضمن هذا الإطار لا يمكن إنكار أن هناك نصوصاً (وإن كانت شحيحة) حملت هماً حقيقياً وقدمت دلالات وإسقاطات وقارعت للوصول إلى المشاهد بمصداقية ونجحت ، ولكن السمة العامة التي باتت تطفو على السطح اليوم تذهب باتجاه مخالف ، والسؤال الأكثر حرارة هنا ، كيف يمكن الخروج من هذا المأزق نحو أفق أرحب ؟ أين يقبع الحل ؟
هناك من يرى أن الكتابة الدرامية تحتاج إلى دراسة أكاديمية لأن الموهبة منفردة غير قادرة على إنجاز نص يحمل مقومات النجاح ، وقليلون هم من سلكوا هذا الدرب الأكاديمي ، يقول المخرج أوس محمد (هناك من يرى أن كتابة النص الدرامي في السينما يحتاج إلى موهبة ، وهو أمر خاطئ تماماً فكتابة النص الدرامي تحتاج إلى الدراسة) مؤكداً أن الدراسة أمر أساسي لتؤهل الكاتب لتقديم دراما صحيحة ، في حين رأى آخرون أن الحل يكمن في إقامة ورشات جماعية لكتابة العمل الدرامي، الأمر الذي تباينت الآراء حوله ووقف ضده عدد من الكتاب المهمين على صعيد الوطن العربي ، منهم الكاتب المصري وحيد حامد الذي قال ” الدراما تنهار بسبب بدعة ورش الكتابة “.
بينما شدد آخرون على فكرة أن حبل الخلاص يكمن في (الأدب) بكل ما يحمله من عوالم ورؤى وأفكار وخطوط وإثارة وخيال ، مشيرين إلى أهمية ما تم إنتاجه سينمائياً وتلفزيونياً وأُخِذ عن أصل أدبي، وعلى سبيل المثال هناك العديد من أعمال تولستوي وديستايفسكي وماركيز وفيكتور هوغو ونجيب محفوظ وحنا مينه تم النهل منها وكانت زاداً لأعمال شاهدناها على الشاشات ،وسبق للدراما السورية أن قدمت أعمالاً مأخوذة عن أصل أدبي لاقت النجاح وحققت حضوراً متقدماً ، ففي السينما نذكر أفلاماً للمخرج سمير ذكرى ومنها (حادثة النصف متر) عن رواية صبري موسى و(تراب الغرباء) عن رواية لفيصل خرتش و(حراس الصمت) عن (الراوية المستحيلة ـ فسيفساء دمشقية) لغادة السمان ، وضمن هذا الإطار يعتبر ذكرى أن الرواية هي البستان الخصب للسينما ولكن يعود الإشكال هنا حول الانتقال من جنس فني إلى جنس فني آخر ، أما المخرج غسان شميط فله فيلم (الشراع والعاصفة) المأخوذ عن رواية بالعنوان ذاته للكاتب حنا مينه ، وفيلم (ليليت السورية) عن رواية (تحت سرة القمر) لجهينة العوام ، يقول شميط : ” أعتبر أن الرواية محرضاً كبيراً للدخول في عوالم الشخصيات ، ولكن أسلوبية كتابتها وتحويلها لسيناريو أمر ليس بالسهل” ، ويضاف إلى هذه الأفلام الكثير من المسلسلات السورية الهامة .
مهما تم اجتراح الحلول فإنها تبقى قاصرة لأن المحرك الأساسي للعملية برمتها هو (الإنتاج) ومدى فهمه لأهمية النص، ومدى قبوله بشروط الصيغة الإبداعية في إنجاز العمل الفني ، فلا بد من التمييز بين (الكتابة الإبداعية) و (الكتابة التجارية) ولب الصراع يكمن بين أن (تكون متكسباً على باب الله من الكتابة) وبين أن (تبدع وتعيش حالة الخلق عبر الكتابة) ، والفارق شاسع بينهما ، وهو ما يعزز عمق الفجوة التي تظهر نتيجتها على الشاشة جلية أمام الجمهور كله.