ثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
على مدى السنوات القليلة الماضية، عكفت تركيا على السير بخطوات سريعة وواسعة لجهة ترسيخ نفوذها في البحر الأبيض المتوسط، وذلك بهدف إبراز ما تلعبه من دور أمام جيرانها في المنطقة وحلفائها في الناتو.
وفي سبيل تحقيق ذلك، لم تدخر أنقرة جهدا إلا ونهجته لتحقيق مصالحها في ليبيا التي تشاركها الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط. لذلك نجد أنه منذ بداية الحرب الليبية، عمدت تركيا إلى دعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس التي تحظى أيضا بدعم من الأمم المتحدة وأوروبا وقطر، إذ تنافسها حكومة طبرق والجيش الوطني الليبي بقيادة المارشال خليفة حفتر.
وبعيدا عن مواجهة مصر والسعودية، تشكل اليونان سببا وراء اصطفاف تركيا مع حكومة طرابلس. إذ بعد أن أطاح التحالف الذي ينضوي تحت القيادة الأميركية بمعمر القذافي، الذي كان ضامنا لأمن الحدود البحرية المشتركة بين ليبيا وتركيا في البحر الأبيض المتوسط، أصبحت مساحة تقدر بـ 39000 كيلومتر مربع من المنطقة الاقتصادية والجرف القاري موضع نزاع بين اليونان وتركيا منذ عام 2014، وقد جرى مناقشة هذه المسألة باستفاضة بين وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ورئيس حكومة الوفاق إبان محادثات عقدت عام 2018. وحتى في تلك المرحلة، قطعت تركيا وعدا لطرابلس بتقديم المساعدة لها في حماية المياه الإقليمية بما فيها احتياطي الطاقة البحرية في المياه المتنازع عليها، حيث تدعي اليونان في خلافها البحري مع تركيا باستخدام الأخيرة للجرف القاري لجزيرة كريت الواقعة بين تركيا وليبيا.
لقد أصبح مذهب “الوطن الأزرق” للتفوق الجيوسياسي في شرق البحر الأبيض المتوسط في قمة سلم أولويات أنقرة في مجال السياسة الخارجية، الأمر الذي قاد بها إلى خلاف طويل مع اليونان بشأن قبرص المقسمة والمنافسة مع أثينا وجيرانها المطلين على البحر المتوسط في كل من مصر ولبنان بشأن حقوق التنقيب عن النفط والغاز. ووصلت تطلعاتها إلى ذروتها عندما اندلعت الحرب في ليبيا التي استقطبت قوى أجنبية عدة.
جرى التوصل إلى اتفاقيتين غير شرعيتين بين أنقرة وطرابلس في أواخر عام 2019 وذلك لغرض واحد ألا وهو مواجهة اليونان: فجرى توقيع الاتفاقية البحرية الليبية-التركية وترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط والتوصل إلى اتفاقية ثانية بشأن التعاون الأمني والعسكري بغية حماية حكومة السراج من هجوم الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر الذي بدء في شهر نيسان من العام الفائت وحظي بدعم من دول عدة منها الإمارات العربية المتحدة ومصر وفرنسا وروسيا. وبموجب الاتفاق الأمني، ترسل تركيا قواتها إلى ليبيا في أي وقت يطلبها فايز السراج. وفي الواقع، فإن أنقرة أرسلت مزيدا من الأسلحة والمستشارين العسكريين إلى البلاد في انتهاك واضح لاتفاقية حظر السلاح الذي فُرض على ليبيا في مؤتمر برلين.
وفي هذا السياق قوبل نبأ توقيع أنقرة وطرابلس على تلك الاتفاقيات بقدر كبير من الحذر في اليونان نظرا لإمكانية استخدام أنقرة لتلك المعاهدات كأساس قانوني لإرسال سفن التنقيب التي ترافقها سفنا حربية لاستخراج احتياط النفط والغاز بالقرب من جزيرة كريت اليونانية، ذلك الأمر الذي لو حدث، للجأت أثينا إلى توظيف قوتها العسكرية لمواجهة حليفها في الناتو.
وبغية مواجهة الاتفاق الليبي- التركي، وقعت مصر واليونان على اتفاق في 6 آب المنصرم يرسم الحدود البحرية بين البلدين ويحدد المنطقة الاقتصادية الخاصة. ولم تخف أثينا حقيقة أنها اتخذت تلك الخطوة ردا على مذكرة التفاهم التي وقعتها تركيا مع حكومة الوفاق الوطني بشأن تعيين منطقة الولاية البحرية. وتتعارض هاتان الصفقتان مع بعضهما البعض، إذ يدعي كل طرف حقه في ذات المياه. والسؤال الذي ينبغي طرحه: كيف سيدافع الموقعون عن حقوقهم؟
ذكرت رسالة على صفحة دعم “الجيش الوطني الليبي” في موقع تويتر قيام تركيا بتقديم دفعة جديدة من الأسلحة إلى حكومة الوفاق الليبي على الرغم من حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة. وللتوضيح أكثر، أدرج الموقع المعدات العسكرية ونوع الصواريخ فضلا عن البنادق الهجومية الألية الأميركية الصنع التي جرى نقلها بطائرة النقل العسكري ووصلت إلى القاعدة الجوية في مصراتة.
وبتوجيه من الرئيس التركي رجب أردوغان عمدت تركيا إلى توسيع شبكة القواعد العسكرية وبناء قواعد جديدة أخرى على أراض في ليبيا تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، وكل ذلك بهدف تعزيز النفوذ التركي في جنوب البحر الأبيض المتوسط. وخلال السنة الفائتة وحدها، جرى بناء هنكار لتجهيز وتخزين الطائرات التركية المسيرة على أرض المطار المدني في مصراتة. كما رُصد نظام مدفع مضاد للطائرات من طراز كوركوت 35 ملم في قاعدة الواطية الجوية.