الرسائل الأميركية المرافقة لاجتماعات جنيف بجولتها الثالثة، ربما تعطي توضيحاً آخر لماهية التعاطي الأميركي مع تطورات المرحلة الراهنة، لجهة تسارع الأحداث في المنطقة بشكل عام، وفي سورية على وجه الخصوص، والتي تريد إدارة ترامب من ورائها إعادة ترتيب أوراقها على المستوى الدولي، بعد التراجع الكبير لمكانة الولايات المتحدة ودورها على الساحة العالمية ودائماً سياسة الضغط والابتزاز هي الحاضر الأبرز على مجمل السياسة الأميركية الحاصلة.
مع كل الاجتماعات واللقاءات التي حدثت سابقاً على مسار الحل السياسي “جنيف – أستنة – سوتشي” كانت منظومة العدوان تسارع لاستباقها بارتكاب أعمال إرهابية، بهدف التشويش والتخريب، والضغط والابتزاز، أراد من ورائها الأميركي إثبات حضوره كصاحب الكلمة الأولى لإنتاج أي حل سياسي يتوافق مع مصالحه الاستعمارية، ويصب في خدمة المشروع الإرهابي الذي يستهدف سورية وشعبها، ومن هنا فإن الاعتداء الإرهابي الذي استهدف خط نقل الغاز العربي بين منطقتي الضمير وعدرا بريف دمشق، قبيل بدء أعمال الجولة الثالثة للجنة مناقشة الدستور بمشاركة الوفد الوطنى، هو رسالة ضغط أخرى هدفها الرضوخ للمعايير الأميركية، عبر محاولة إخراج عمل “اللجنة” عن سياقها الطبيعي، وعن المرجعيات والمبادئ الناظمة لها بأن تكون بقيادة وملكية سورية.
مسارعة الكاذب جيفري – الذي يقود عمليا الطرف الآخر في محادثات جنيف- للإعلان في مستهل تلك المحادثات بأن التفجير الإرهابي بخط نقل الغاز العربي يحمل بصمات داعش، ليس عبثياً، هو يحمل دلالات ورسائل سياسية، ويرتكز على معلومات يمتلكها فقط المشغل الأميركي الذي أعطى أمر التنفيذ لداعش، وهذا دليل آخر على أن هذا التنظيم الإرهابي، وغيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى، هي بالأصل أوراق تفاوضية، إلى جانب كونهم أدوات منظومة العدوان، وهذا بدوره يؤكد المساعي الأميركية المتواصلة لعرقلة أي حل سياسي، بهدف إطالة أمد الأزمة، بما يخدم المشروع الصهيو- أميركي في سورية، علماً أن هذا التفجير الإرهابي، سبقه الكثير من الإجراءات العدوانية للتأثير على محادثات جنيف، وعلى مسار الحل السياسي عموماً قيصر- سرقة النفط والغاز – جرائم قسد – جريمة تعطيش أهلنا في الحسكة، وكل ذلك لا يخرج عن سياق سياسة الضغوط القصوى التي تمارسها إدارة الإرهاب الأميركي، من أجل تحصيل مكاسب سياسية، عجزت عن تحقيقها عبر العدوان والإرهاب.
التصعيد الأميركي الحاصل في سورية، لا ينفصل عن سياق ما يخطط للمنطقة بشكل عام، لجهة استهداف محور المقاومة وإضعافه لتمرير “صفقة القرن”، وجولة بومبيو التحريضية التي بدأها من الكيان الصهيوني، لا تهدف لتسويق عملية التطبيع المجاني، ودفع الأعراب لتسريع إجراءات تنفيذ الصفقة المشؤومة وحسب، وإنما للتحشيد ضد إيران أيضاً واستبدالها بالعدو الرئيسي لشعوب المنطقة ” الكيان الصهيوني”، وتوقيت هذه الجولة التحريضية قبيل الانتخابات الاميركية يشير إلى الهواجس التي تعيشها إدارة ترامب لاحتمال خسارة تلك الانتخابات، الأمر الذي قد يغير من صورة المشهد السياسي في المنطقة، خاصة وأن الإرهابي نتنياهو يعول كثيراً على مسألة فوز ترامب بولاية ثانية، لاسيما وأن الأخير سبق وأن أكد أكثر من مرة بأن “صفقة القرن” إذا لم تنفذ بعهده فإنها لن تتحقق بالمطلق، فهل تتمكن واشنطن اليوم من فرض أجندتها المرسومة لشعوب المنطقة في ظل المتغيرات السياسية والعسكرية التي أفرزتها انتصارات سورية ومحور المقاومة على الإرهاب وداعميه؟.. المرحلة القادمة تكشف ذلك.
نبض الحدث -بقلم امين التحرير ناصر منذر