تبرهن تطورات الأحداث الجارية على أن منظومة العدوان لا تزال تراهن على عصا الإرهاب لإنتاج مشهد سياسي أو ميداني يتناغم مع أجنداتها الاستعمارية، ولا تريد إعطاء أي فرصة للتقدم لو خطوة واحدة على مسار الحل السياسي، رغم كل الأكاذيب والادعاءات التي يطلقها مشغلو الإرهاب على المنابر السياسية، حول حديثهم المزعوم عن ضرورة دعم جهود هذا المسار، وما يجري في جنيف يعطى دليلاً إضافياً على المساعي الأميركية لإطالة أمد الأزمة، وتكبيل الدولة السورية بالمزيد من الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية، لمحاولة إخضاعها والنيل من سيادتها وقرارها المستقل.
الجولة الثالثة من اجتماعات لجنة مناقشة الدستور، من المقرر أن تستكمل اليوم بعقد جلستين قبل أن يعود الوفد الوطني إلى أرض الوطن يوم غد الأحد، ولكن المؤشرات الأولية التي ظهرت خلال الجلستين الماضيتين قبل وبعد تعليق الاجتماعات بسبب كورونا، تفيد بأن سياسة التعطيل التي دأبت عليها الوفود الأخرى في السابق، ستبقى هي الطاغية على مجريات هذه الجولة، وهذا يتضح من خلال اجتماع الكاذب جيمس جيفري معها، وإعطائها كل التعليمات اللازمة لعرقلة المحادثات، وهذا ما حصل بالفعل عندما خرجت تلك الوفود عن المبادئ الوطنية الأساسية المتفق عليها، ما يؤكد أن الولايات المتحدة تريد للجنة أن تبقى تدور في حلقة مفرغة أطول وقت ممكن، لقطع الطريق أمام إنجاز أي خطوة على هذا المسار.
هذا المشهد الطاغي حتى الآن، يعيد إلى الأذهان صورة التدخل السافر للدول المشغلة للإرهاب خلال الجولة الأولى لاجتماعات اللجنة، حيث رفض الطرف الآخر حينها بتعليمات وأوامر أميركية صيغة «لا ورقة» التي قدمها الوفد الوطني، علماً أنها تضمنت مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه وإدانة الدول الداعمة له، وفي الجولة الثانية أيضاً رفض ذات الطرف مقترح الوفد الوطني الذي كان تحت عنوان «ركائز وطنية تهم الشعب السوري»، ولم يرد على هذا المقترح، وهو نفس أسلوب التعطيل الحاصل اليوم، فمن غير المعقول أن يرفض طرف يدعي انتماءه للوطن جملة من الثوابت الراسخة لأي دولة كانت، كحقها مثلاً في الدفاع عن سيادتها في وجه أي عدوان خارجي، وحقها في محاربة الإرهاب، هو يرفض ذلك في حالة واحدة فقط، عندما يكون مسلوب الإرادة، ومرتهنا للدول المعادية.
ما يحصل في جنيف من تدخلات أميركية سافرة لحرف اللجنة عن مسار عملها، يؤكد أن الولايات المتحدة تسعى مجدداً للاستثمار بهذه الاجتماعات كغطاء لتمرير مشروعها التدميري، عبر فرض شروطها، وأخذ ما عجزت عنه بالقوة عن طريق السياسة، خاصة في ظل الضغوط التي تمارسها بالتزامن مع اجتماعات اللجنة، والعمليات الإرهابية التي يرتكبها “داعش” في منطقة البادية تأتي في سياق تلك الضغوط، إضافة لجريمة الحرب التي يرتكبها نظام أردوغان بحق أهالي الحسكة عبر تعطيشهم، والتلويح الأميركي باستخدام القمح سلاحاً لمعاقبة السوريين، استكمالاً لسياسة التجويع والحصار الخانق عبر “قيصر”، الأمر الذي يثبت مجدداً أن أقطاب منظومة العدوان لا يعنيهم أبداً الوصول إلى أي حل سياسي، وإنما مواصلة العمل على تأجيج الأزمة، لأن خروج سورية من أزمتها، وإنجاز نصرها الكامل على الإرهاب، يعني وأد كل المشاريع الصهيو-أميركية في المنطقة برمتها.
نبض الحدث- ناصر منذر