قالوا كثيراً في تعريف الثقافة وأهميتها ودورها في خلق مجتمع متماسك تحكمه القوانين التشريعية والعرف الاجتماعي والقيم التي انتقلت إلينا عبر تعاقب الأجيال، كما اجتهد البعض في تحميلها أدواراً كثيرة في صياغة معايير السلوك لتلائم تطور الواقع ومتغيراته المتسارعة في الشكل والمضمون والتأثير الذي يكتنف المجتمعات دون رادع من حصانة أو وازع من سلوك، لنرى أن الإنسان بات رهيناً أو يكاد لهيمنة ثقافات تغزو عقله من كل فج وصوب.
فهلا تخيلت العالم دون ثقافة، ترى لمن ستكون السيادة والريادة، وكيف سيتعامل البشر في ظل غياب تلك الشريعة التي تحكمهم ربما هو ضرب من الجنون ما سيحدث، ولكن الحقيقة أننا لو تأملنا في واقعنا وكيف تتسرب قيم المحبة والتسامح وقبول الآخر من أواصر ارتباطها، وتلك الصراعات التي باتت ملحهم اليومي بذريعة “الغاية تبرر الوسيلة” لأطلقنا صرخة مدوية في استشعار للخطر والتشويه الذي يصيب حياتنا.
فلم تعد تستهوينا العلاقات الاجتماعية المبنية في أغلبها على المصالح الشخصية، ولم تعد تغرينا قنواتنا الثقافية، بل نكتفي بالانكفاء على ذواتنا في ظل راهن من الحياة بات اللهاث فيه إلى لقمة مغمسة بمزيد من مرارة العلقم..
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الثقافة تقتصر على صناعة كتاب ومشروع فن أو ندوة ثقافية وعرض سينمائي ومسرحي، أم أن الثقافة ما تعكسه هذه الصناعات جميعها على أرض الواقع وما تخلفة من أثر رجعي على سلوكات الناس وأفعالهم، وما تسعى إليه في مضمونها لصياغة فعل ثقافي ووعي اجتماعي وخلق حالة من التقارب الفكري لحمل مسؤولية النهوض بالمجتمع وبنائه على أسس من المعرفة والعلم والفكر؟.
نحن لاننكر أن الساحة الثقافية عامرة بالأعمال والنشاطات على اختلاف جودتها، وأنها تصارع على البقاء رغم الظروف القاسية وانتشار الوباء، ولكنها تبقى حبيسة جدران المكان، لاتستطيع أن تمتد لتسكن في نفوس البشر، وتخلق وعياً اجتماعياً يحاكي وجدان النفس البشرية ويخرجها من عزلتها القاتلة وينمي لديها الإحساس بالمسؤولية للانطلاق نحو الفضيلة والخير والجمال وإلى عالم أكثر إشراقاً.
رؤية – فاتن أحمد دعبول