جلست إلى جواره بثوبها الأبيض وتاج يصل بريقه إلى أكوان لا تحدّها حدود، عادة ما تتوّج به العرائس، لكنها غير كل العرائس هي من تتوّجه، أميرة حقيقية وليست أميرة القصص والحكايات والروايات، أميرة ومليكة على عرش من أحبّ الوطن فزرع فيه قطعاً من جسده تناثرت على ثراه لآلئ تنير دروب العابرين حدود السماء…
قسورة الشهيد الحي حَلُم يوماً بشراء حذاء، وحين أوشك الحلم أن يتحقّق كان الوقت قد حان ليلتحق بصفوف الجيش العربي السوري ملبياً نداء الوطن، وهناك ارتدى الحذاء المناسب، الحذاء العسكري ليسحق به أنوف كلّ المارقين الذين عبثوا بأمن وأمان وسيادة الوطن…
بات الحذاء منسياً وتحوّل إلى طرفين صناعيين وبقيت القضية الوطنية في قلب قسورة تُبرز مكامن الجمال النابعة من البساطة التي عاشها، وانتقل من العفوية والصدق إلى رجلٍ نستلهم من تجربته مسرحاً عميقاً وحقيقياً بطله رجلٌ يصنع المعجزات تستمر وتُزهر الحياة لديه ببريق عينيين أحبّهما وأحبّت جسارته وقوته وصموده، فكان عرس الجريح منذ أيام فرحة عائلية تُبشّر بفرح جماعي يبشّر بنصر وفرح قريب….
تلك العزيمة التي يمتلكها قسورة المناضل بوصفه محارباً قديماً حديثاً تؤكّد أننا في وطن المعجزات، استطاع أن يجذبنا وهو يرقص في عرسه الذي كان غنياً بالإبداع والصمود، فلا أعباء إنتاجية ولاحاجة لمساعدات وميزانيات ضخمة، عكازان وامرأة اختارت أن تشاركه الحلم وسط إدهاش الحاضرين…
نتأمل دلالات هذا الترابط بين الجريح والوطن وامرأة تطل على فضاء لا حدود له يكبر فيه مستقبل الوطن، الثلاثة معاً يرمزون إلى الحياة بنكهة الإباء، ثلاثتهم يشكلون قاعدة صلبة ومتينة لبناء أسرة يستمر ويكبر معها الوطن.
قسورة فصل من فصول حياة الجنود السوريين، ونموذج تنطلق منه الرؤية نحو الإنسان والإبداع على مستوى العالم الذي استباح فيه الإنسان السوري ووصل إلى قطع من جسده الغضّ…
رؤية – هناء الدويري