الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
اليوم ومع بدء انهيار القوة الناعمة لأمريكا، وقرب انهيار المجتمع الأمريكي جراء الانقسامات الداخلية، لا يمكن استدامة وهم العالمية، ومع فشل الليبرالية على نطاق واسع، تتقدم دول أخرى وتقدم نفسها كدول “حضارية” منفصلة ومقنعة بنفس القدر ، وترفض النموذج الغربي للدولة القومية، وكدول حضارية ثقافية غير سياسية، النقطة البارزة هي أن الليبرالية الغربية كانت غير قابلة للاستبدال – كانت مناسبة فقط لدول معينة في أمريكا وأوروبا – ومع فقدان الليبرالية الأوروبية لركيزة قوتها الأساسية (القوة الأمريكية)، ستصبح الأخيرة عارية.
بالمقابل ستعمل العملات الرقمية ببساطة على تسريع قوة الطرد المركزي – فصل العملات المألوفة والأنظمة النقدية عن الاحتياطي الفيدرالي، فالصين لديها عملة رقمية للبنك المركزي (CBDC)، وروسيا وإيران والمملكة المتحدة وإيطاليا من بين أولئك الذين يخططون للعملات الرقمية الخاصة بهم، و”دافوس” بالطبع تريد أيضًا عملة رقمية لمشروعها التكنوقراطي غير الليبرالي بشكل واضح.
في اجتماع لسفراء فرنسا العام الماضي، قال الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون: “إن الصين وروسيا والهند لم يكونوا مجرد منافسين اقتصاديين بل دول حضارة حقيقية لم تخل بنظامنا الدولي فحسب؛ بل تولت دورًا رئيسيًا في النظام الاقتصادي العالمي”، مؤكداً أنهم أعادوا تشكيل النظام السياسي بقوة كبيرة، والتفكير السياسي الذي يتماشى معه، وبإلهام أكبر بكثير مما لدى الدول الغربية، محذراً جمهوره من أن الحضارات إلى زوال، والدول كذلك ” أوروبا ستختفي”..!
كما أشاد ماكرون بالمشاريع الحضارية لروسيا والمجر، واللتين” تتمتعان بحيوية ثقافية وحضارية ملهمة “، وأعلن أن مهمة فرنسا هي توجيه أوروبا نحو التجديد الحضاري، لهذا السبب قال: “أؤمن بشدة أن هذا هو مشروعنا، ويجب أن يتم القيام به كمشروع الحضارة الأوروبية، لا يمكن تمديد الوهم الليبرالي القديم، ليس فقط لأن قوة الولايات المتحدة آخذة في التآكل، ولكن لأن قيمها الأساسية أصبحت متطرفة، ووقعت على رؤوسهم، وتحولت إلى سيوف يمكن من خلالها تخويف الليبراليين الأمريكيين والأوروبيين الكلاسيكيين”.
لقد استيقظ الجيل الأصغر من الليبراليين الأمريكيين الآن بصخب، ليس فقط لأن النموذج الليبرالي القديم خادع، لأنه لم يكن أكثر من “غطاء” يختبئ خلفه القمع، سواء أكان محليًا أم استعماريًا أم عنصريًا أم إمبرياليًا.
هو وصمة عار أخلاقية لا ينظفها إلا الانقلاب عليه، ربما كان المشروع الأوروبي محميًا ذات مرة تحت جناح القوة الأمريكية الصارمة كعامل مساعد لمهمة الحضارة الأمريكية، لكن هذا أيضًا انتهى: لقد وصف ترامب أوروبا بأنها عدو لأمريكا، على قدم المساواة مع الصين.
لم تعد الولايات المتحدة “عم” أوروبا الطيب لنشر قوتها الصلبة كلما وقعت أوروبا في مأزق، وببساطة، فإن الحديث عن مطالبة أوروبية بالقيم العالمية (التسامح، حرية نمط الحياة، حقوق الإنسان ، إلخ) هو في الأساس وقوف إلى جانب إنكار دولة الحضارة.
يعطي الصينيون صراحة الأولوية للقيم الكونفوشيوسية، والتأكيد على الاستقرار والوئام الاجتماعي على “الحرية” الغربية والاستقلالية الفردية، لا تقدم هذه “القيم الأوروبية” على هذا النحو تعريفًا لـ “خير” المجتمع، وهو ما تفعله كل دولة حضارية تقريبًا، قد يُنظر إليها بشكل فضفاض على أنها تعمل كنظام تشغيل، لكن الليبرالية في شكلها المعاصر المشوه لا يرقى إلى مستوى النظام الحضاري.
يطلب ماكرون من الأوروبيين تجذير انتمائهم إلى عصر التنوير، ولكن كما لاحظ وزير خارجية البرتغال السابق برونو ماكيس في مقال حديث، فإن التطلعات العالمية لليبرالية هي التي قطعت الغرب وأوروبا على وجه الخصوص، عن جذورها الثقافية، على عكس الدول الأوروبية الأخرى (مثل روسيا)، فالقيادة الأوروبية منقطعة جدًا عن التقاليد الثقافية الأوروبية السابقة لدرجة أنه يكاد يكون من المؤكد أنها غير قابلة للاسترداد، لم يعتبر الإغريق ولا الأوروبيون في القرن السادس عشر أنفسهم “غربيين”، وهو مصطلح يعود تاريخه إلى أواخر القرن الثامن عشر فقط، ولم يكن هناك “إنسانية” حتى عصر التنوير بالطبع.”المجتمعات الغربية ضحت بثقافاتها الخاصة من أجل مشروع عالمي “لم يعد بإمكان المرء أن يجد نسيج التقاليد والعادات القديمة أو رؤية للحياة الجيدة في هذه المجتمعات”.
الإيمان الساذج بأن الليبرالية، المستمدة من التقاليد السياسية والثقافية لأوروبا الشمالية، سوف تغزو العالم قد تحطمت الآن وإلى الأبد. وبدلاً من ذلك، فإن الدول المتحضرة غير الليبرالية في أوراسيا هي التي تهدد بابتلاعنا جميعًا. وماذا نفعل بالليبرالية؟ يتساءل ماكيس: “الآن بعد أن ضحينا بتقاليدنا الثقافية لإنشاء إطار عالمي لكوكب الأرض بأسره”، “هل من المفترض الآن أن نكون الوحيدين الذين يتبنون ذلك؟”.
أليستر كروك
عن:
Strategic Culture